ضم المعرض 270 لوحة وحوالي 200 عمل نحتي جميعها من مقتنيات الأستاذ زكريا جبارة الذي يحمل إجازة في الحقوق منطلقاً من شغفه بالفن التشكيلي اجمالا والفن الافريقي تحديدا , والأهم من ذلك أن هدف المعرض هو الواجب الوطني كما أفاد السيد جبارة حين التقته الثورة حيث قال : “ مكثت في أفريقيا أكثر من 9 سنوات وقد استهواني الفن الإفريقي فعملت على اقتنائه طيلة سنوات إقامتي هناك , وأصبحت مالكا لمجموعة كبيرة ونماذج مختلفة منه , الفن في افريقيا انتاجه غزير وهو مختلف في التقنية والإبداع وله عالمه الخاص وهويته أيضا , كذلك الأعمال اليدوية فهي منتشرة هناك بكثرة كاسلوب معيشي .
أنا جندي في هذا الوطن
وأضاف جبارة : أنا تاجر ولكن أتذوق الفن فأقحمه في تجارتي خاصة وأن لي تطلعات معينة للتواصل ومد الجسور بين افريقيا وسورية , وفي هذا المعرض بالتحديد أنطلق من خلال وطنيتي , أنا لست فنانا ولكني تاجر مقيم في افريقيا شعرت بأن بلدي يستدعيني في أزمته فحضرت بقوة علني أقوم بجزء من واجبي تجاه بلدي في محنته لنثبت للعالم بأننا بألف خير وحياتنا لم ولن تتأثر بمؤامرة كونية دنيئة مهما عظمت وسنظل الأقوى بمبادئنا وطموحنا , وماضينا وحاضرنا وحبنا لسوريتنا الغالية .
أنا جندي في هذا الوطن واليوم أعتبر نفسي أقوم بواجبي تجاه وطني عندما أعود إلى بلدي وأقدم ما استطيع من وجهة نظري وضمن إمكانياتي , وهذا واجب كل سوري ضمن امكانياته لأن سورية الغالية قدمت لنا الكثير , جميع رجالات الأعمال استفادوا من هذا البلد ولكن للأسف من استفاد بأرقام فلكية هاجر , أنا أعتز بعروبتي وسوريتي أنظر إلى العسكري الذي يرابط على أسوار الوطن ليحرسها ويحميني وبفضله وفضل تضحياته استطعت أن أجول العالم وأعود إلى الوطن في هذه الظروف , هذا الجندي يجب أن يشعر بأننا نستثمر ما يضحي من أجله بشكل جيد ومرادف لخدمة الوطن , واجب علينا أن نعيش حياة طبيعية ونستمر في تحقيق النجاح والتقدم ونحاول تقديم أشياء حقيقية للبلد من خلال مواكبة الأنشطة الموجودة التي عودنا عليها بلدنا من غابر الزمان , يجب أن نستمر اليوم بعاداتنا فالوطن يحتاجنا لنثبت للعالم أننا بألف خير .
بنا يقوى الوطن وبه نعتز ونسمو
في افتتاح هذا المعرض بدأت أول خطوة من مشروعي في التواصل بين سورية وافريقيا و سأعود بعد ذلك بعدد كبير من اللوحات الفنية لفنانين سوريين لأقوم بعرضها هناك , وأفريقيا بالتحديد لأنني مقيم فيها أنا مع عمل ما يستطيع الشباب عمله للوقوف إلى جانب الوطن في محنته ضمن الإمكانيات الفردية المتاحة فالوطن بحاجة لنا بأي شيء نستطيعه المهم أن لا نقف مكتوفي الأيدي ولا نتخاذل أبداً.
مطلوب من الشباب تحديدا تقديم أي شيء للوطن بأي شكل من الأشكال وأحدد الشباب ليس من باب الحصر ولكن لأنهم الأكثر قدرة على الحركة . بنا يقوى الوطن وبه نعتز ونسمو , هذه الأنشطة مهمة ويجب ان نستمر بها بل ونقويها خاصة في هذه الظروف .
وعن المعرض قال :هذه الأعمال تنتمي لحضارة عدة دول افريقية انجزت بين عام 2003 -2011 وهي تعود لأكثر من 20 فناناً افريقياً بعضهم معروف في الوسط التشكيلي العالمي, الفن الافريقي له خصوصية محببة , وفي النحت تندرج هذه الخصوصية حتى في نوعية الخشب المستخدم وهو خشب الكنغو المعتق بيد الفنان نفسه .
ثقافات إفريقية
ربما يعاني أهل القارة الافريقية من الفقرالمادي والمرض, لكنها قارة غنية جدا بالموروث الشعبي والفنون التشكيلية, وأهلها يستشعرون الجمال وقد مارسوه بكافة أنواع الفن التشكيلي منذ القدم , حيث حقق الفنان الافريقي الجمال في الأشياء التي يستخدمها في الحياة العادية أو الحياة اليومية , وعرفوا بفنيتهم منذ القدم إذ تبدّى ذلك في المنحوتات والتماثيل والرسوم المصورة على الجدران أو الصخور المستوية ،التي يعود تاريخها إلى القرن الثالث الميلادي .
لو تحدثنا عن الأعمال الكثيرة الموجودة في المعرض يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى أن لدى الفنانين المشاركين بالمجمل ذائقة عالية ورؤية فنية تشكيلية غنية بلا حدود أو قيود من نوع معين , ينطلق الفنان الافريقي من بيئته حتما , وتتخلل أعماله بعض طقوسه ومعتقداته التي يؤمن بها وبعض العادات والتقاليد المتوارثة والإشارات تخرج من ذاكرته كالهجرة والاستقرار وتكوّن المجتمع والأسرة كتلك اللوحة الزيتية التي كررت فكرتها بألوان مختلفة بنفس الحجم وهي عبارة عن أسرة مهاجرة تحمل حاجياتها القليلة على رأسها و في ثياب الأهل استقرت الأطفال الصغار محمولة في جعبة آمنة على ظهر الأم , هذه اللوحة كالكثير غيرها كررت عدة مرات ودون أن تشكل مللاً سواء للفنان أو المتلقي واحدة منها منفذة بألوان الغروب التي تحمل معانيها الكثيرة , وأخرى جاءت باللونين الأبيض والأسود وتدرجاتهما رائعة الصنع وجميعها مميزة بحرفية الخط الممتد بمسؤولية كبيرة يحملها الفنان على عاتقه فيبدع في الأثر الفني الذي يأتي أميناً للبيئة الافريقية وملتزماً بمتطلبات مجتمعه , معتمداً على تشكيلات فنية ولونية وقصص وأساطير معبرة عن أسرار الكون المليئة بالحركات والتقلبات والصخب .
زخارف حيوانية من البيئة الإفريقية
أضف إلى ذلك يوجد في المعرض عدد من اللوحات التي تعتمد اعتمادا كليا على الزخرفة الحيوانية عنصرها الأساسي مقتبس من البيئة المحلية الإفريقية كالزرافة وبعض الطيور والحيوانات التي رسمت بطريقة متقنة ونفذت باسلوب طباعي حرفي عالي التقنية ومتميز , وفي بعض اللوحات كان لافتا ذاك التقارب والتشابه مع البيئة الشامية ذات الحارات القديمة والشوارع الحجرية والبيوت الطينية .
أدوات بسيطة وأعمال رائعة
كذلك أبدع الأفارقة وتفوقوا في فن النحت الخشبي من وجهة نظر فلسفية بأدوات بسيطة وأبعاد صغيرة ودقة ونعومة في الأطراف ( تتشابه في النحت والتصوير ) , ونقرأ من خلال 200 عملاً نحتاً هذا التفوق الملفت في ميدان النحت على الخشب بطريقة متميزة منقوشة بزخارف جذابة بنفس الاسلوب العفوي , غالبا مجسمات إنسانية مبسطة فقد أكد الفنانون على تضخيم الملامح البارزة من الوجه وميزوها بحركات الأيدي التي تعني لهم الكثير في معتقداتهم , وثمة ما هو جدير الحديث عنه تلك الأقنعة التي يعطيها الفنان الافريقي أهمية خاصة حسبما تعني له ويوجهها ضمن رؤية مخصصة , ولها أهميتها في المجتمع الافريقي , ينتجها بأسلوبه الخاص ويستوحيها من عوالمه سواء الإنسانية أو عالم الأدغال الذي يكثر في تلك البيئة .