تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الكتابة بالضوء

ملحق ثقافي
2012/5/29
عباده تقلا:لا يزال الناس يعتقدون أنه يفترض بالتصوير الضوئي أن يروي لنا حكاية أو أي شيء آخر، وأن يكون موضحاً للذكريات والمشاعر، أي أن الجانب

المرئي من الصورة لا يعدو كونه مسألة ذات أهمية ثانوية، ولا بد لها أن تخضع إلى قصة كي تمنحها معنى، وتمكننا من التفكير فيها.‏‏

بصراحة، لا يمكن لأي تصور أن يكون خاطئاً مثل هذا التصور. إن إرسال وعي ذاتي بصري عبر الصورة، يتميز بكونه متوازناً بدقة في أي من عناصره الضوئية الأساسية، يتطلب وجوداً وتطوراً لمواقف نفسية معينة تحثنا على الشروع في مغامرة التصوير الضوئي.‏‏

فالمصور الضوئي الحقيقي لا يتوقع، بل يستثار بتناقضات الضوء، الكتلة، وحركة الأشكال التي يدركها أو يلاحظها. إنه يخترق الحالة المادية لبيئاته المرئية عبر وسائل وإمكانيات محدودة لتقنية التصوير الضوئي ذاتها، وتتكامل حالته العقلية أو الروحية بمجملها كي تشكل الانتباه، رد الفعل والمغزى.‏‏

إن علم النفس الخاص به يتألف فقط من الازدواجية بين التوتر والاسترخاء الكامل الذي يمكنه من الاختيار بأكبر ثقة ممكنة من وجهة نظره الخاصة لتلك اللحظة الحاسمة التي ينبغي أن يخضع لها أيضاً في الوقت نفسه.‏‏

إن الوضع النفسي للمصور الضوئي الحقيقي في هذه الحالة هو مزيج أو مجموعة من الدوافع العدوانية الفعالة والانعزال السلبي التي ينبغي أن يسيطر عليها ضمن حدود معينة خاصة للتصوير الضوئي لتنجز الهدف البصري الأسمى، الصورة النهائية، والتي هي نتيجة للتدريب المتواصل والمستمر للقدرة البصرية الإنسانية.‏‏

إذا كانت كلمة التصوير الضوئي -الكتابة بالضوء - تعبر فقط عن جزء من هذا النهج، فإنها، ورغم ذلك، تعبر عن الشيء الأكثر أهمية.‏‏

كونك فوتوغرافياً يعني أن تصبح مدركاً للمظاهر الخارجية المرئية، وفي الوقت نفسه مستخدماً لها بهدف توجيه الوعي المشترك، الفردي والبصري.‏‏

لماذا؟ لأن كل فرد يبصر بطريقته الشخصية لكنه نادراً ما يرى أي شيء آخر غير الصور المتخيلة وفقاً لمستوى الحضارة التي تخص فترة محددة. فكل فترة لها مشاكلها البصرية الخاصة وتمتلك وعياً مختلفاً للأشياء المرئية.‏‏

‏‏

وطريقة النظر إلى الأشياء ليست ثابتة إطلاقاً، بل إنها تتغير وتتطور وفقاً لضرورات معينة تتعلق بتلك الفترة الخاصة من التاريخ.‏‏

بالنسبة إلى الرؤية الإنسانية ولتشكيلها في نتاج فني فإنهما لا يتقولبان في أية طريقة ضمن صيغ جامدة، غير قابلة للتغيير، فبالرغم من كل حديثنا عن الواقعية، الطبيعية، الانطباعية، الانطباعية الحديثة أو التعبيرية، ففي كل تلك المدارس البصرية أو الفترات ليس هناك سوى ثلاثة نماذج من الوعي، أولها الصياد الذي يرى مباشرة، وثانيها التأملي الذي يصور الشيء التخيلي، أي عندما تتخذ المظاهر الخارجية شكلاً. وأخيراً الفردي الذي يضم أفكاره مع الأشكال المرئية وفقاً للمفاهيم الموجودة عند التأسيس الحقيقي لحدث بصري.‏‏

لهذا السبب، ليس هناك أية فترة محددة تاريخياً تتماثل فيها الرؤية مع الفترة السابقة أو اللاحقة، لكن النماذج البصرية الثلاثة تظهر في كل واحدة منها. ومع ذلك، فإن واحداً من تلك النماذج البصرية الثلاثة يمكن أن يسود في أي فترة تاريخية.‏‏

على سبيل المثال، في القرن السابع عشر كانت الواقعية النحتية الطبيعية في أوجها في كل أنحاء أوروبا- باستثناء رامبرانت الذي كان تخيلياً، والذي رأى أكثر من السطوح الظاهرية للأجسام، واخترق بنفسه بكل ما في الكلمة من معنى، مشكلة الظلام - الضوء، تلك القابلية للمظاهر النسبية للأشياء لتكشف أو تخفي نفسها في ضوء متحرك.‏‏

باكتشافه لطريقة توزع الضوء والظل، أضاف رامبرانت وعياً جديداً للوعي العام عن النكهة البيضاء، على الرغم من أنه كان بعيداً عن إدراكه مباشرة.‏‏

يتخذ الوعي البصري شكله وفقاً لضرورات معينة ضمن الوسط الاجتماعي. ففي كل فترة، يبصر المرء ما هو ضروري فقط.‏‏

الرؤية ليست سوى ابنة عم الوعي التقني، فالشخص لا يرى إلا الأشكال والإدراكات المصنوعة مسبقاً. تماماً مثل آلاتنا التي لا تكون غالباً أكثر من عمليات تقليد، حتى أنها غير واعية، للعالم النباتي، أدواتنا البصرية ليست استثناء لتلك القاعدة. إنها تماثل التصور العام للوعي التقني أكثر فأكثر، يعني الانتفاع من القوى، الطاقة الميكانيكية والإشعاعية تظهر وتتراكم في الكائنات العضوية الأخرى أكثر مما هو ممكن في الحيوانات. تتماثل هذه الطريقة مع الأعضاء الصناعية التي صقلت، واستنتجت وخلقت بشكل غير واع من المملكة النباتية.‏‏

وبالتالي فإن وعينا المرئي تسيطر عليه أكثر فأكثر ظاهرة الضوء، والتصوير «أو الفيلم» ليس سوى واحدة من النتائج التالية ضمن هذا الحقل لكونك مدركاً لشروط الحياة الإنسانية على الأرض.‏‏

لكن على الرغم من امتلاكنا متسعاً في إمكانياتنا لاستيعاب مظاهر جديدة تماماً في ملاحظة المسألة، فإن التصوير الضوئي قيد على نحو استثنائي، ضمن شكله المألوف القائم على تسجيل مستوى الرماديات بين الأسود والأبيض، حساسيتنا لمشكلة الضوء كلها والتي تكون ملونة في أغلب الحالات.‏‏

يجبرنا التصوير في التناقضات غير الملونة على استخدام طريقة خاصة في الرؤية، أي أن تكون قادراً على أن تترجم في الحال كل الرؤية وكل إدراك أو ملاحظة للطبيعة الملونة في الأشياء المحيطة بنا ومن ثم تقليلهم، لتسحب الجزء المتمم من مظهرهم كي تصنع عالماً أحادي اللون، أو بالأحرى عالماً عديم اللون حيث الإكمال للألوان الأساسية ليس بالمسألة الهامة بعد الآن، إنما الأمر الهام فقط هو التناقضات الخاصة بين العتمة والضوء أثناء الانشغال في العمل.‏‏

ما هو أكثر، أن التصوير الضوئي ليس قادراً حتى على التواصل مع كل تلك التناقضات. بينما تستطيع العين تمييز الاختلافات بين الضوء المبهر والظلمة الحالكة بمقدار أكثر من خمسة ملايين درجة، بينما الطبقة الحساسة للنيكاتيف لا تستطيع إعادة إنتاج أكثر من عشرة آلاف، وأوراق التصوير تتضمن ثلاثين فقط.‏‏

يتميز العالم المرئي بالنسبة إلى المصور الفوتوغرافي بالهدف، التآلف بين جزيئاته، الشكل، والتعبير النفسي. كما يقسم الهدف إلى البنية، الكتلة، الانعكاس، الامتصاص، الشفافية، الإبهام، والموقع في الفراغ.‏‏

ويقسم الشكل إلى التمفصل، التناقض، التلامس، البساطة، التعقيد، والاتجاه داخل الفراغ.‏‏

كل هذه الشروط محددة بالإضاءة التي تستطيع أن تبرز وتتفكك، إضافة إلى هذا هناك قوة الملاحظة المتعددة في درجات مختلفة مثل: الطبيعي، المرئي، المجهري، وغيرها.‏‏

هذه المجموعة من العوامل تنتج الصورة، بدلاً من نسخة بسيطة طبق الأصل.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية