ومِنَ اسْمِنَا كانَ الزَّمَانُ يُضَاءُ
نحْنُ الذينَ تفوحُ منْ أقدامِنا
حبقُ الغيومِ وأزْهرٌ حمْراءُ
نمْشِيْ على النيران ِحينَ تُريْدُنا
أرْضٌ وحينَ تريدُنا الْجوزاءُ
كُنا نئنُّ إذا تَئنُّ عِرَاقُنا
واليومَ نَضْحكُ إنْ بكتْ صنْعاءُ
يا ويلْنا مَا عادَ يَحْمِيْ أَرْزَنا
نَخْلٌ ولا يَحْميْ الترابَ سَمَاءُ
نَبْقى نُحَدِّقُ في الْجَهاتِ وكمْ أَتى
بِالذِّئْب ِجارُ الْبيتِ أوْ نُدَماءُ
نَخْشَى أخَانَا وهْو يَجْلسُ بيْنَنَا
وَلَكمْ يَجِىءُ مِنَ الأخوَّةِ دَاءُ
نُؤْذَى وَيَغْتَصِبُ الْمنَازلَ أَهْلُهَا
بِجُنُونِهِمْ وَكَذَلِكَ الدُّخَلاءُ
نَسْعَى إلَى منْ لُطِّخُوا بِدَمَارِنا
إنَّ السُّعَاةَ لِمَنْ سَعُوا أُجَرَاءُ
نَعْطِيْ وَنَحْمِلُ للْعَدوِّ حُقولَنا
فيْ حينَ تقتلُ بَعْضَنَا الْبَيداءُ
نَحْنِيْ وَكَمْ كانتْ عَمَالِقةُ الدُّجَى
تَحْنِيْ الْجُسُومَ مَتى وكيفَ نَشاءُ
صِرْناَ بِأيدِيْ غَيرِنَا أرْجوحَةً
يُؤْتَى بِهَا فيْ خطْوةٍ وَيُجَاءُ
ولَّى مِنَ الْحُبِّ الْقَديمِ وفَاؤنا
وَعِمَادُ مَا يَبْنِيْ الْوِصَالَ وَفاءُ
لا لَمْ يَدُمْ وَتَرٌ يُوحِّدُ هَمَّنا
لو لمْ تَصُنْ أَمْجادَنَا الْفَيْحاءُ
فَمَتَى سَنَنْهضُ مِنْ سَريْرِ رُقَادِنا
فَالْقُدْسُ تُنْحرُ وَالْبقيةُ شاءُ
••
يا للْعُروبةِ يا بلاداً لمْ تَعُدْ
واواتُهَا تَهْنا بِهِنَّ الرَّاءُ
دَخَلَ الْخَريْفُ إلى مَسَاكِبِ جِسْمِها
فَغَدتْ كَمَا لو أنَّهَا جرْداءُ
لمْ يَخْزِهَا أنْ تَسْتَحِلَّ جَمَالَهَا
وبأنْ يَعُقَّ حَليْبَهَا الأبْناءُ
نامتْ على دَرَجِ الهوَانِ كأنهُ
سرُرٌ لهَا ووسائِد مَلْساءُ
ذوتِ الْحَدائِقُ منْ خِيَانةِ بَعْضِهَا
قتْلى وكمْ قَتلَ الْجَمَالَ وَبَاءُ
فقدَتْ جداوِلها الغنيةُ دُرَّهَا
والشيءُ يُظْهِرُ ضِدَّهُ الأشْياءُ
بهتتْ فلا جَرَسُ الصَّهيْلِ يَحومُ فيْ
جَنَباتهَا ولا تَتواثبُ الأضْواءُ
نسَتِ القناديلَ الَّتيْ شَهَقَتْ بِهَا
فكأنْ لمْ يكُ للْكِرامِ عَطَاءُ
تَرَكَتْ دروبَ الْوردِ فيْ خَطواتِهَا
ومنَ الدُّروبِ غيَاهِب وبُكُاءُ
عَطَلَتْ أَصَابِعُهَا فأوَّلُ إصْبَعٍ
خَشيَ الْحَنينَ وآخرٌ جذَّاءُ
رَحَلَتْ عَنَ النَّبعِ الْكَثيفِ فَغَادرَ
العصْفورُ سَاحِلَهَا وولَّى الْمَاءُ
فَرَغَتْ مِنَ الذَّهَبِ الثَّمينِ كأنَّهَا
صَدَفٌ وما كَانَتْ بهِ أشْياءُ
خَانتْ بِغيرِ تَأَسُّفٍ أبْوابها
ومصيْبةٌ أنْ خَانتْ الْخُفَراءُ
تَتَنَاقَضُ الأصْواتُ فيْ صْيحَاتِهَا
حيْناً وحيْناً تَخْتَفِيْ الأصْدَاءُ
جَلَبَتْ لهَا الْمُسْتَعْمِريْنَ فَغَرَّدتْ
خُطُبٌ بهَا وَتَناسَلَتْ أرْزَاءُ
لَحَقَتْ بِقَاتِلِهَا وأيةُ أُمةٍ
لَمْ تَلْتَحقْ بالنورِ فَهْيَ غثاءُ
••
يا شامُ يا زيْتونةً فيْ الْمُنْتَهى
حَمَلَتْ وَيَذكُرُ حَمْلَهَا الأفْياءُ
لَوَّنْتِ مَا فَتنَ الْجَمَالَ بِرِيْشةٍ
وبِكلِّ لونٍ لأْْلأَتْ أنداءُ
أوْقَدْتِ أجْنِحة َالصَّباحِ وإنَّهَا
حُرِّيةٌ يَسْعَى لهَا السُّجَناءُ
فَجَّرْتِ بالْغيْمَاتِ أوْردةَ الشَّذَى
والْغيمُ تَفْضُحُ سِرَّهُ الْغَبراءُ
وعَصَرْتِ منْ كَرَزٍ مَحَاصيْلَ الْفِدَى
حَمْراءَ تَحْسدُ طَعْمَهَا الصَّهْباءُ
وَنَثرْتِ أنْواراً تُسَابِقُ بعْضَها
بَعْضَاً كَمَا نَثرَ الرَّبيْعَ شِتاءُ
وَنَفَخْتِ نَاياتِ الْجِهَادِ بِقوَّةٍ
حتى لِتَحْسُبَ أنَّها دَأْمَاءُ
وَبَذَلْتِ مَا يَهِبُ الْبُحُورَ حيَاتهَا
ولكمْ يَعِزُّ الْباذلينَ عَطاءُ
وعزَفْتِ بالْحَقِّ النَّبيلِ ومِنْ يَقلْ
حَقاً تزِدْ بِخُصُومِهِ الأعدَاءُ
لَسْتِ الَّتِيْ تَبْغيْ الظلامَ وإِنَّمَا
أنتِ الَّتيْ للْمُعْتدينِ زناءُ
••
يا أمَّةَ الأحْرارِ إنكِ أُمَّةٌ
رَخَصَتْ وَتَرْخُصُ بِالْعِيوبِ ظباءُ
أوْغَلْتِ فيْ جِهَةِ الضَّيَاعِ ومِنْ يَضِعْ
تَلْعَبْ بهِ الأهوالُ والأنْحَاءُ
صَدِئَتْ بِكِ الأنْهَارُ حيثُ تَلوَّثَتْ
فيْهَا الزُّهُورُ وسادتِ الأدْواءُ
ومَشَيْتِ فيْ كُتُبِ الْهَشِيْمِ كَمَا مَشَتْ
بيدِ الْفَيَافِيْ وَاحَةٌ خضْراءُ
وأتيْتِ مرَّاتٍ بِأشْرِعةِ الدَّياجِرِ
ثمَّ قُلْتِ مَتى يَكونُ ضِياءُ
ووقَفْتِ أجزَاء وَكُنْتِ بِكُلِّنا
وَطَناً، بهِ تَتَجَسدُ الأجْزَاءُ
يا هذهِ لمَ قَدْ حَمَلْتِ لِشامِنا
غسَقَاً تَحِيكُ خِيْوطَهُ الْبَغْضَاءُ
حَوَّلْتهَا لِمَقَابرٍ مَفْتوحةٍ
ولكم تَعِيْشُ قُبورَهَا الأحْياءُ
أسْرَجْتِ عَاصِفَة َترومُ حَرِيْقَهَا
وَلقدْ يَخُونُ نَدَى الصَّبَاحَ مَساءُ
ونشَرْتِ غرْبَانَاً بهَا لِتَشِيعَ
دَاجِيَةُ الرَّدَى وَلِتكْثرَ الأشلاءُ
وجَزيْتِ شَرَّاً أنْ جَزتكِ بورْدةٍ
تِلْوَ الْورودِ وكمْ يَجُورُ جَزَاءُ
وجَحَدْتِ بالْفِعْلِ الْقَبيحِ ثَمَارَهَا
وبِمِثلِها يَتَفَاخَرُ الشرَفاءُ
ونَويتِ فُرْقَتَهَا وَيَخْسرُ دائِمَاً
مِنْ لمْ تَكُنْ لَهُ نِيةٌ بيْضاءُ
وخَسَرْتِ أنْ بيتِّي مقْصَلة ًلَها
يَمَتدُّ فيْها للْحَمَامِ فنَاءُ
وعَجَزْتِ أنْ تَبْنِيْ مَجَاديفَ السَّنا
منْ دونِهَا أوْ أنْ يَحُطَّ حياءُ
وجَنَيتِ فيْهَا الأمْنياتِ وحسْبها
أنْ تَسْتَظِلَّ بِفَجْرِهَا الأرْجَاءُ
ما كنْتِ تَنْتَشريْنَ لولا مَجْدُهَا
بَجَعَاً ولا اخْضَرَّتْ بِكِ الصَّحْراءُ