وكان لهذه الانتفاضة ارتداداتها في مصر بشكل خاص عندما جرف المتظاهرون الغاضبون أجهزة الأمن والشرطة المصرية التي كانت تدعم الرئيس حسني مبارك.
وقارن المراقبون المختصون هذه الأحداث بأحداث كانت السبب في إسقاط الاتحاد السوفياتي ولكن بفوارق أكثر أهمية هي أن ميخائيل غورباتشوف لم يكن من بين القوى العظمى الداعمة لبعض الأنظمة وعوضاً عن ذلك تلتزم أميركا وحلفاؤها بالمبدأ الراسخ الذي يستند إلى أن الديمقراطية مقبولة بقدر ماتنسجم فقط مع الأهداف الاستراتيجية والاقتصادية الأميركية. ولابأس في هذه الديمقراطية في أراضي العدو لكن«إلى درجة معينة» وشريطة أن لاتكون في حديقتنا الخلفية رجاءً إلا إذا كانت مروضة كما يجب. ولكن يوجد مقارنة صالحة إلى حد مامع ماجرى في رومانيا عام 1989 عندما دعمت أميركا شاوشيسكو الديكتاتور الأكثر فساداً بين طغاة أوروبا الشرقية إلى حين أصبح الدفاع عن الديكتاتور صعباً ووقتها أشادت واشنطن بسقوطه وطمس مافيه بكامله..
إنه النمط الأميركي المألوف والمتكرر.
فقد سبق للإدارة الأميركية دعمها لفرديناند ماركوس، وجان كلود دوفالييه، وتشون دو هوان وسوهارتو وغيرهم الكثير من رجال العصابات النافعين، وتحاول هذه الإدارة أن تضمن عدم انحراف النظام المصري عن المسار الذي كان سائداً أيام مبارك.
كان تقييم السفير الأميركي في تونس روبرت جوديك-في برقية تعود إلى شهر تموز من عام 2009 كشفها موقع ويكيليكس جاء فيها: «إن الحركة الديمقراطية النابضة بالحياة في تونس كانت موجهة ضد دولة بوليسية تعاني من حرية تعبير أو تجمع محدودة، ومن مشكلات خطيرة على صعيد حقوق الإنسان يحكمها ديكتاتور».
وفي هذا الإطار يرى بعض المراقبين أن الوثائق التي نشرها موقع ويكيليكس ستخلق شعوراً مطمئناً بين الرأي الأميركي بأن المسؤولين غير غافلين. وبالفعل إن البرقيات تدعم جداً السياسات الأميركية إلى درجة يبدو فيها أوباما يسربهابنفسه وهذا مايكتبه جاكوب هايلبرون في مجلة «ذاناشونال انترست».
عنوان آخر في صحيفة «فايننشال تايمز» يقول: الولايات المتحدة مدينة بميدالية لجوليان أسانج، كما يكتب -جيديون راتشمان- كبير المحللين في شؤون السياسة الخارجية أن «سياسة أميركا الخارجية تبدو كأنها ذات مبادىء وذكية وبراغماتية. وإن الموقف العام الذي تتخذه أميركا بخصوص أي قضية عادة مايكون الموقف الخاص ذاته أيضاً ومن هذا المنطلق ينسف موقع ويكيليكس «أصحاب نظريات المؤمراة» الذين يعيدون النظر في الدوافع النبيلة التي تنادي بها واشنطن بانتظام.
وكما تؤكد معلومات السفير روبرت جوديك- فإن واشنطن قدمت مساعدات عسكرية لتونس بقيمة 12 مليون دولار. وفي الحقيقة إن تونس هي واحدة من خمس دول أجنبية مستفيدة فقط وهي إسرائيل (بشكل روتيني) ومصر والأردن وكولومبيا التي شهدت أسوأ سجل لحقوق الإنسان وكانت هي المستفيدة الأكبر من المساعدات العسكرية الأميركية.
ويشدد المحلل السياسي-جاكوب هايلبرون- على الدعم العربي للسياسات الأميركية التي تكشفها البرقيات المسربة. كما يقتنص كبير المحللين في شؤون السياسة الخارجية الأميركية- جيديون راتشمان- هذه الحقيقة على غرار مافعله الإعلام عموماً مرحباً بهذه المعلومات المشجعة. وتعكس ردود الفعل مدى احتقار الديمقراطية في العالم المثقف.
أما غير المعروف والمعلن فهو آراء السكان التي يسهل اكتشافها. فوفقاً للاستطلاعات التي نشرتها «مؤسسة بروكينجز» في آب الماضي يرى بعض العرب أن أميركا وإسرائيل هما التهديد الأكبر وذلك بنسبة 77بالمائة و88 بالمائة على التوالي.
ولعل أبرز ماكشفه موقع ويكيليكس يتعلق بباكستان وأفغانستان وهي تسريبات استعرضها محلل السياسة الخارجية- فراد رانغمان في موقع -تروثديج-حيث تكشف البرقيات أن السفارة الأميركية تدرك تماماً أن حرب واشنطن في أفغانستان وباكتسان لاتفاقم العداء المستفحل لأميركافقط، بل قد «تؤدي إلى زعزعة الدولة الباكستانية» لابل تهدد بأسوأ كابوس أي إمكانية وقوع السلاح النووي في أيدي( الإرهابيين الإسلاميين) ومرة أخرى لابد أن تخلق هذه التسريبات شعوراً مطمئناً بأن المسؤولين غير غافلين. وهي عبارة لجاكوب هايلبرون، بينما تسير واشنطن بإيمان راسخ تجاه الكارثة.
بقلم: نعوم تشومسكي