أن «اسرائيل» تتمتع بقدرة ردع مثبتة في مواجهة التهديد التقليدي وفوق التقليدي لكنها تعاني من انعدام الردع على المستوى تحت التقليدي وهو المستوى الذي يشمل أسلوب عمل منظمات تمارس حرب العصابات واطلاق الصواريخ وهي حقيقة واقعة تؤدي حسب تقديراتهم إلى حرب استنزاف طويلة الأمد تستهدف المجتمع الإسرائيلي.
وفي هذا الاتجاه كان معهد «رئوت» الاسرائيلي للدراسات الأمنية الاستراتيجية قد أعد دراسة أكد فيها تحت عنوان «حالة الردع الإسرائيلية» أن «اسرائيل» تعرضت منذ عام 2006 إلى ثلاثة اخفاقات سياسية وعسكرية هي: فشل «خطة الاحتواء» التي أعلن عنها أولمرت رئيس الحكومة في ذلك الوقت للضفة الغربية, واخفاق الحملة العسكرية على المقاومة في لبنان وقطاع غزة بعد ذلك.
واستخلصت الدراسة أن هذه الاخفاقات كشفت عن «أزمة حادة في مفهوم الأمن وفي قوة الردع» لأن أي تطورات تؤدي إلى انشاء دولة فلسطينية، ستقود إلى إجراء تعديلات على مفهوم الأمن والردع كما أن استمرار الوضع الراهن غير الثابت والقابل للتغير سواء عبر انتفاضة شاملة في الضفة الغربية أو عبر تطورات إقليمية تتورط فيها «إسرائيل» بأعمال عسكرية خارج حدودها، لابد أن يعكس نفسه في طبيعة الأمن الذي ستحدده «اسرائيل» لنفسها.
ورغم الانتقاد الذي أظهرته الدراسة لضعف قوة الردع وعدم وضوح المفهوم الأمني الاستراتيجي حتى الآن، إلا أن عامل الضعف والعجز في قوة الردع الإسرائيلية على المستوى الإقليمي يبدو أكثر وضوحاً تجاه إيران والملف النووي الذي تضعه «اسرائيل» على جدول أعمالها.. فبالمقارنة مع عام 1981 وما فعلته «إسرائيل» ضد المفاعل النووي العراقي حين شنت هجوماً جوياً عليه، لاتزال «إسرائيل» عاجزة حتى الآن عن القيام بأي تحرش عسكري ضد الأراضي الإيرانية رغم إصرار إيران على انشاء المفاعلات النووية والحسابات الإسرائيلية لها.
وفي دراسة لجنة «فينوغراد» التي تشكلت لدراسة أسباب هزيمة حرب تموز 2006 والاستنتاجات الناجمة عنها، ذكر الجنرال بيني غانتس الذي كلفته رئاسة الأركان الإسرائيلية بأن عملية «إعادة بناء قدرة الجيش الإسرائيلي وإعادة تأهيله عسكرياً تتطلب سنوات كثيرة» وقد مضى على تنفيذ خطة إعادة التأهيل أربع سنوات حتى الآن استوعب الجيش خلالها أسلحة وذخائر جديدة لكنه لم يتمكن بموجب ما يراه عدد من المحللين العسكريين في الغرب من تحقيق استكمال إعادة تأهيل الجيش معنوياً ونفسياً وربما في استيعاب دروس حرب تموز ومظاهر الإخفاق الإسرائيلي التي برزت فيها.
وإذ كان الكثيرون لا يشكون في وجود قيمة عسكرية في الأسلحة الجديدة التي تزود بها الجيش الإسرائيلي من الولايات المتحدة سواء من ناحية الذخائر الذكية أو البطاريات المضادة للصواريخ مثل «القبة الفولاذية» وأجهزة الانذار المبكر من سقوط الصواريخ القصيرة أو المتوسطة المدى على حدود المستوطنات، فإن استعادة الثقة بالقيادة العسكرية وخططها لم تتحقق لدى جنود الاحتياط بوجه خاص. ففي إحدى الدراسات التي نشرها مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي تبين أن نسبة من جنود وضباط الاحتياط يفضلون عدم استدعائهم للتدريب على أيدي نفس الضباط الذين شهدوا حرب تموز 2006 بل عدم استدعائهم للتدريب مرات عديدة في السنة الواحدة.
وكان من التوصيات التي وضعتها (لجنة فينوغراد) إعادة تحصين الدبابة الإسرائيلية والعربات المسلحة التي تستخدمها فرقة (غولاني) و(غيفعاتي) لأن أسلحة مقاتلي حزب الله تمكنت في حرب تموز من اختراقها، أما الطائرات المروحية من نوع (يسعور) التي يعتمد عليها الجيش في نقل القوات الخاصة البرية المنقولة جواً فلاتزال تثير رعب الجنود ولاسيما بعد التدريبات التي قامت بها على عجل في رومانيا وتحطم واحدة منها ومقتل ستة ضباط فيها وهبوط اثنتين منها اضطرارياً أثناء التدريب في نفس الأجواء الرومانية.
والمعروف أن قادة الجيش الإسرائيلي اعترفوا بعد هزيمة تموز أن سلاحي الجو والبحرية وحدهما لا يمكن أن يحققا الحسم على أرض المعركة رغم تفوقهما في مختلف الحروب الإسرائيلية، فالاعتماد على سلاح القوات البرية وكتائبه العاملة في (لواء غولاني) مازال يحتل أهمية في العقيدة القتالية بموجب دروس هزيمة الجيش الإسرائيلية في تموز 2006.
ويرى عدد من المحللين العسكريين المحايدين أن الجيش الإسرائيلي أبدى اهتماماً ملحوظاً ومركزاً في السنوات الماضية على حماية الجبهة الداخلية وأجرى مناورات وتمرينات على الدخول إلى الملاجىء وعمليات الانقاذ دون أن يترافق ذلك بإعداد الجيش وأسلحته المختلفة على تجنيب الجبهة الداخلية الحساسة من أعباء المجابهة، فاعتراف قادة الجيش في أكثر من مناسبة بأن الحرب المقبلة على «إسرائيل» ستجعل من الجبهة الداخلية جبهة مجابهة أمامية يدل تماماً على عجز الجيش وتكنولوجيته وقواته عن إبعاد النيران وآثار الحرب عن مستوطناته ومدنه.
ويبدو أن المسألة هذه المرة لن تقتصر في أي حرب مقبلة واسعة وعلى نحو خاص على سقوط الصواريخ رغم أهميتها بالنسبة للقوى التي تجابه «إسرائيل» بل ستتجاوز ذلك وخصوصاً على جبهة شمال فلسطين المحتلة وجبهة الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، فقدرة التدمير الكبيرة لأسلحة الجيش جرى استخدامها في حرب تموز وكذلك في حرب كانون الأول 2008 في قطاع غزة ولم تستطع تحقيق أهدافها الأساسية، والعودة إلى مثل هذا التكتيك أو الاستراتيجية لن يحمل معه نتائج جديدة لأن إعادة احتلال أي مساحة أرض يحيط بها رجال المقاومة لن يكون مفيداً للجيش الإسرائيلي بعد أن جرب ذلك في حروب كثيرة.