ولا يلزم للخروج بمثل هذا الاستنتاج كثير من التفكير والبحث يكفي أن المفاجأة أربكت منذ البداية شمال المتوسط (أوروبا الغربية عموما وفرنسا خصوصا) -بعد ثورة تونس- وانتقل الهاجس سريعا ما بين واشنطن وتل أبيب وإذا كانت تل أبيب التزمت الصمت حيال تونس فإنها لم تخف خشيتها من ثورة مصر وهي حتى اللحظة تحاول التقاط أنفاسها والبحث في سبل إحباط ما يمكن أن ينتج عن هذين الحدثين وسواهما من تغييرات دراماتيكية في المنطقة وبما يشمل تغييرات الخرائط الجغرافية ومسار التاريخ (المستقبل) واستعادة العرب لمصر وتونس ودورهما في معركة المصير العربي -فلسطين.
كما أن الأحداث- بعد الثورتين الشبابيتين في كل من تونس ومصر- أرغمت التحالف الصهيوني -الأميركي على محاولة التوازن وخلق ظروف جديدة من شأنها الحد من خطورة ما يرى الحليفان على مخططات واشنطن وتل أبيب في المنطقة (الغنية بالنفط) من جهة (والمترعة بالغضب على الكيان الاحتلالي الصهيوني) من جهة ثانية.
يمكننا هنا ودون خشية الوقوع في الشطط أن نضع مكان الفيتو الأول الذي استخدمته إدارة أوباما ضد مشروع القرار العربي الخاص المقدم إلى مجلس الأمن الدولي لادانة الاحتلال الصهيوني وما يقوم به في فلسطين المحتلة من تهويد للقدس ومن مصادرة للأراضي المحتلة والإسراع في بناء المستوطنات في أراض يحرم القانون الدولي تغيير واقعها الديمغرافي ما دامت هي أراض محتلة من قبل الكيان العنصري الصهيوني.
ليس مهماً، إذا، أن يبدو، للوهلة الأولى، وكأن الإدارة الأميركية باتت مرغمة على (تأييد) التغيير في مصر وتونس- والسعي إلى مثيله في ليبيا المهم أن تكون القراءة واعية لما يمكن أن يحرك الهاجس الصهيوني- الأميركي نحو أقطارنا العربية- دون أن ننسى تجربتنا المريرة في العراق من حيث التربص به ومن ثم احتلاله اتكاء على قرارات دولية لم تجز القيام بالعدوان والاحتلال سنة 2003 بدليل أن الاحتلال كان قفزا من فوق المجلس المكلف دوليا بحفظ الأمن والسلم الدوليين (مجلس الأمن).
استغلت الإدارة الأميركية القرار 687 الذي اتخذه المجلس بموجب البند السابع من الميثاق للقيام باحتلاله- متناسية ضرورة الرجوع إلى مجلس الأمن والحصول على ضوء أخضر منه وموافقته الصريحة لكن جورج دبليو بوش وحليفة آنذاك توني بلير تصرفا من دون علم المجلس وبعد أن حدث أمر واقع في العراق هو احتلاله حاولا الحصول على مشروعية الاحتلال وهذا السيناريو يمكن أن يتكرر بطريقة أو بأخرى بصرف النظر عن موقفنا من ليبيا ومن أحداثها.
في المحصلة يكون التحالف الصهيوني - الأميركي قد حقق واحدة من خططه- شئنا أم أبينا- مصادفة أم بالتخطيط- فاحتلال ليبيا يمكن أن يكلف العرب الكثير والقرار 1970 الذي صدر بإجماع مجلس الأمن يمكن أن يشكل جسرا للولايات المتحدة للتدخل العسكري في ليبيا والسعي لاحتلالها وبالتالي يكون التربص بنا لخدمة الاحتلال الصهيوني أولا وأخيراً.
من هنا علينا أن ننظر بكثير من الحذر إلى مواقف هذا التحالف الذي يلقى دعما من كثير من الدول الأوروبية- خاصة من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإذا كان القرار المذكور لم يمنح الضوء الأخضر مباشرة لأي من الدول دائمة العضوية لاستخدام القوة في ليبيا- برغم إرادة شعبها المضادة والمعارضة بعنف للتدخل العسكري- إلا أن السابقة التي حدثت في العراق ينبغي ألا تغيب عن أذهان العرب- خاصة عن أذهان من يهددهم هذا العمل ويهدد أمن العرب القومي بشكل مباشر وأعني مصر وتونس والسودان ومجمل أقطارنا العربية في الشمال الأفريقي.
لا يمكن الركون إلى ما يدور وما يقال من أنه ليست هناك نية لتدخل عسكري في ليبيا إن النفط يسيل لعاب الطامعين الأميركان وأن حرمان العرب من جهد وموقف وثقل الدول العربية المعنية في معركة تحرير فلسطين- المعركة المصيرية- هدف لا يمكن أن يغيب لحظة واحدة عن خطط الصهاينة وخطط الإدارات الأميركية المحكومة دائماً بمتطلبات أمن إسرائيل بموجب تحالفها الاستراتيجي مع الكيان الصهيوني- خاصة بعد أن أخرج الاحتلال الأميركي للعراق ثقل العراق ووزنه من ساحة الصراع مع العدو الصهيوني وإلى أمد غير منظور حتى الآن.
nawafabaulhai@yahoo.com