لذلك نجد أنه لم يدخر جهدا في التشجيع على قيام تحالف أمني بين إسرائيل وتركيا العلمانية تراعى به مصالح الجانبين. وهو في أحلامه تلك يحاكي الكثير من الإسرائيليين الذين كانوا على ثقة بأن اتفاقية السلام الموقعة مع مصر ستستمر إلى الأبد طالما بقي نظام حسني مبارك على رأس السلطة في مصر، وإن من سيخلفه في حكمها هو نجله الفاسد جمال مبارك الذي لن ينأى بنفسه عن الاستمرار بذات النهج الذي سبقه عليه والده على مدى سنين طويلة.
لا ريب بأننا على قناعة تامة بأن الإخوان المسلمين يشكلون تهديدا لاتفاقية السلام. لكن وجود مبارك في رأس السلطة كان يهدئ من هواجسنا تلك أو على أقل تقدير قد أفضى إلى إقناع بنيامين بن أليعازر بأن جماعة الإخوان المسلمين لا يشكلون إلا فئة قليلة وأن السيطرة عليهم قائمة بشكل محكم.
لم يدر في خلد أحد بأن يكون العاطلون عن العمل والجياع في مصر لهم شأن يمكنهم من إحداث التغيير في هذا البلد، ولم يطرأ في مخيلة أحد بأن جموع الطلاب الذين أنهوا دراستهم ولم يتسن لهم العثور على عمل يقيمون به أودهم أن يكون لهم باع طويل في قيام الثورة، كما لم تُحدث أعمال انتهاك الحريات الشخصية أي خشية أو قلق للقائمين على الحكومة الممسكة بزمام الأمور في البلاد وأدواتها الفاسدة التي دأبت على سلب الأموال العامة واستغلال السلطة.
لم نسمع بأن أحدا من القابعين في القصر الرئاسي يدعو إلى تقديم الكيك للثائرين على غرار ما جرى إبان الثورة الفرنسية، ذلك لأن مطالب الثائرين قد تجاوزت موضوع الكيك أصلا.
قال رئيس الموساد السابق أفرام هالفي بأنه ليس ثمة مؤشرات ثابتة وواضحة تنبؤنا عن قيام الثورات بشكل مسبق حيث شهدنا تركيا تبتعد عن النهج الأتاتوركي التقليدي دون أن يسبق ذلك أي مؤشر كما وأن سلسلة الثورات التي انطلقت من تونس وسرت إلى دول أخرى لم يسبقها أي دلائل أو مؤشرات.
في الوقت الذي نرى به المهاجرين المسلمين يزحفون ببطء نحو مواقع هامة في العالم المستنير الذي تمثله الدول الأوروبية، ويرى الرئيس الأمريكي بأن إسرائيل هي مصدر الخلل وتشكل عائقا في تحقيق السلام في المنطقة يفاجئ الجميع بضربة لم يكن يتوقعها احد منهم ألا وهي انتشار الثورة من دولة إلى أخرى كانتشار النار في الهشيم.
إن الأحداث التي تسود في الوقت الحاضر في كثير من دول منطقة الشرق الأوسط ليس في واقعها إلا صراعا بين الأنظمة التي تأسست وفق أسس وقواعد القرن الماضي ومبادئ الديمقراطية المعاصرة. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تضع صيغا مجردة كثيرة حول حتمية الديمقراطية لكنها لن تجد لأقوالها تلك صدى مقبولا في مواقع كثيرة من العالم.
قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون خلال زيارته إلى الكويت بان العالم الغربي قد وقع بخطأ جسيم عندما وقف إلى جانب الأنظمة الاستبدادية القمعية نتيجة اعتقاد خاطئ لدى قادته بأن المسلمين لا تناسبهم الديمقراطية لأنها تتعارض مع التقاليد العربية والشريعة الإسلامية.
لقد اعتمدت إسرائيل على مبارك في الحفاظ على استمرار العلاقات السلمية على الرغم مما يلاحظ من عدم وجود الدفء في العلاقات القائمة بين الجانبين، لكنه في مختلف الأحوال كان ملتزما بكامل نصوص اتفاقية السلام ولا نعلم إن كان أي من المسؤولين الإسرائيليين قد حاور الرئيس المصري في المصير الذي ستؤول إليه تلك الاتفاقية في عهد من يخلفه.
إن ما أقدم عليه أوباما من استخدام حق الفيتو الأمريكي دون أن يأبه لشجب الأمم المتحدة لما تقوم به إسرائيل قد يكون المرة الأخيرة لاستخدام هذا الحق في عهده ذلك لأن العداء الدولي الذي بدا بشكل واضح وجلي عبر التصويت الذي جرى سيفضي إلى ثني إسرائيل عن استخدام القوة لتحقيق مآربها. وبتقديرنا، وفي ضوء ما يحدث في منطقتنا وعلى الساحة الدولية، نرى بأن أوباما لن يسمح لإسرائيل أو يعطيها الحرية في استخدام قوتها كما تشاء سواء بالنسبة لإيران أو ضد أي انتفاضة داخلية قد يقوم بها المليون ونصف المليون فلسطيني من عرب 48.
على الحكومة الإسرائيلية أن تعلم بأنها ليست محصنة ضد قيام أحداث داخلية تحصل فيها كما حصلت في عدد من دول المنطقة، ويتعين عليها ألا تبقى متفرجة من برج عال تقبع به والنظر بشكل سلبي إلى الأمور بل عليها أن تتعامل بروح من المسؤولية مع المسألة الرئيسية ألا وهي كيف يمكنها الإسراع في إيجاد واقع جديد لا تكون به الدولة الوحيدة في العالم التي تفتقر إلى وجود حدود دائمة وتمضي في حكمها الجائر لشعب آخر.
اقترح رئيس هيئة الأركان المنتهية ولايته غابي اشكينازي على لجنة الشؤون العامة والدفاع في الكنيست اتخاذ الإجراءات المناسبة بوقف العداء مع سورية. وعلى الرغم من كوننا نعتقد بأن الجهود الدبلوماسية في هذا المجال قد لا تجدي نفعا في الوقت الحاضر لكن يتوجب علينا أن نحاول ونبذل جهودنا في هذا الاتجاه.
بقلم:يوئيل ماركوس