ولا شك أن التطورات الجارية في الوطن العربي قد أصابت «إسرائيل» بخوف وارتباك شديدين. وحالة من عدم اليقين، ووجدت نفسها بادئ ذي بدء تعيش معضلة الموقف من تلك التطورات باعتبار أنها تهدف في التحليل الأخير إلى بناء نظام سياسي ديمقراطي يحل محل النظام الديكتاتوري الذي انتفضت حركات الاحتجاج الجماهيري ضده في عديد من البلدان العربية. «ومع توالي الأحداث في الشرق الأوسط وتداعي الأنظمة العربية مثل أحجار الدومينو، استيقظت إسرائيل على واقع جديد يتشكل في المنطقة فكان أن اتسمت ردود أفعالها بالتخبط حينا وبإظهار اتزان مفتعل حينا آخر».على حد تعبير معاريف.
الشرق الأوسط يشهد تحولاً تاريخياً
رسمياً بدأت الصورة تتضح أمام العديد من حكام الكيان الصهيوني ، إذ لم يعد الواقع في الشرق الاوسط كما يراه او يرغب في رؤيته هؤلاء الحكام . شاؤول موفاز رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الصهيوني على سبيل المثال يرى أن الشرق الأوسط يشهد زلزالاً وتحولاً تاريخيا، موضحا ذلك بأن حكومة نتنياهو تنتهج ما وصفه ب«سياسة النعامة»، فتخفي رأسها في الرمال، ولا تبادر بإطلاق مسيرة سياسية.أما وزير الحرب إيهود باراك فيقول إن المنطقة تشهد في الوقت الراهن الكثير من الخضات التي ستؤثر في صيرورة الأوضاع المستقبلية، مؤكدًا أن الأمر يستوجب على إسرائيل مراعاة حالة التأهب واليقظة، والمحافظة على علاقاتها المميزة مع الولايات المتحدة، مع مواصلة السعي للتوصل إلى اتفاقات سلمية.
لكن ما هو أهم من ذلك كله هو ما بات يشعر به كثير من المفكرين والكتاب الإسرائيليين والذي يعكس الى حد بعيد رؤية الشارع في الكيان الصهيوني ، فانتفاضات الشارع العربي وبشكل متزامن تعيد الى ذاكرة الإسرائيليين ذلك النهوض القومي الوثاب الذي اتسمت به سنوات الستينات وان هذا النهوض قد اختفى مع وفاة جمال عبد الناصر لم يعد صحيحا البتة،« فالتظاهرات العاصفة في عواصم أخرى من الدول العربية ،والتي من شأنها أيضا ان تقود الى مزيد من الثورات، تثبت - ما اذا كان يلزم الإثبات - بأن العالم العربي لم يختف أبداً. فالعلاقات اللغوية، الثقافية والتاريخية، تجعل العالم العربي ساحة يؤثر فيها حدث يقع في مكان ما، على أماكن أخرى. وان أهمية مصر التي قادت على الدوام خطوات وسباقات في العالم العربي، فمن المعقول الافتراض بأن تؤدي الثورة الحالية أيضا الى المظاهرات، الانتفاضات، وربما أيضا الثورات في أماكن أخرى في العالم العربي». كما يقول ايلي فودة في هآرتس.
المارد العربي خرج من قمقمه
بعض الكتاب يرى ان المارد العربي قد خرج من قمقمه ولم يعد بوسع أي قوة إيقافه وأن «ما بدأ في تونس وانتقل الى مصر وليبيا ينتشر كانتشار النار في الهشيم في العالم العربي كله، ويهدد بجر الشرق الأوسط الى عصر آخر من العنف وعدم الاستقرار السياسي. وبخلاف الماضي، ينبع العنف من مصدر جديد غير معروف في السياسة العربية ألا وهو الجماهير. فقد تبين للجماهير أنها تملك شيئاً جديداً لم تعرفه قط ولم تستعمله وهو القوة السياسية. يجري في العالم العربي تغيير جوهري ربما يكون ثورة: لقد كسرت هذه الجماهير حاجز الخوف من نظم الحكم والحكام. وأن أي نظام حكم عربي لا يستطيع أن يرى نفسه منيعاً من تأثيرات الاضطرابات «كما يقول الدكتور دافيد بقاعي من جامعة حيفا».
وهناك بعض المحللين الاقتصاديين الإسرائيليين من يرى ان العالم سيشهد كارثة اقتصادية محققة إذا ما تدهورت الأوضاع في دول النفط العربية لاعتماد دول الغرب عليها بصورة شبه كاملة في تزويدها بالنفط من جانبها،و حذرت مصادر اقتصادية إسرائيلية من أن العالم سيشهد كارثة اقتصادية محققة إذا ما تدهورت الأوضاع في دول النفط العربية لاعتماد دول الغرب عليها بصورة شبه كاملة في تزويدها بالنفط.
وأفادت المصادر أن الاقتصاد الإسرائيلي تأثر بشكل كبير من تلك الأحداث حيث تشهد إسرائيل موجة من ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والبنزين والبلاستيك.
وبحسب رون بن يشاي في يديعوت احرونوت،فان على إسرائيل أن تستعد للمدى البعيد في مجالين؛ الأول اقتصادي يتضمن تسريعا ملموسا لتطوير واستخدام مصادر الغاز في البحر المتوسط، وذلك بهدف توفير بديل للغاز المصري، وتجنب التداعيات السلبية على الاقتصاد الإسرائيلي كنتيجة لارتفاع أسعار النفط. أما المجال الثاني فهو المجال الأمني حيث إن تهديد الصواريخ كان ولا يزال التهديد المركزي لإسرائيل، ومن الممكن أن يتصاعد في حال انسحبت الأردن ومصر من اتفاقيتي السلام أو تجميد الاتفاقيتين، أو في حال تسلحت إيران بأسلحة نووية.
ويضيف أنه على الجيش الإسرائيلي أن يدرس مجددا قدراته الهجومية البرية والجوية والبحرية، وملاءمتها للتهديدات الجديدة التي قد تتطور مستقبلا، ما يعني استثمارا كبيرا للأموال في ذلك حتى العام 2015، ذلك لأن عدم الوضوح والنقص في الموارد يضع متخذي القرارات في الجيش والأجهزة الأمنية أمام تحديات لم تعرف إسرائيل مثلها في مجال الأمن منذ حرب تشرين1973.
لابد من سلم أولويات جديد
على الصعيد الاقتصادي ،توقعت اشهر الصحف الاقتصادية الاسرائيلية «ذي ماركير» أن تحل بإسرائيل كارثة اقتصادية كبيرة بعد زوال نظام مبارك. وفي تحليل اقتصادي شامل نشرته الصحيفة توقعت الصحيفة أن تضطر إسرائيل إلى تقليص النفقات في مجالات مدنية كثيرة لتغطية زيادة النفقات الأمنية، ما يعني توجيه ضربة كاسحة للاستقرار الاقتصادي. وشددت الصحيفة على أن أهم النتائج الاقتصادية لسقوط نظام مبارك سيتمثل بتراجع قيمة الشيكل وتراجع مستوى الثقة بالاقتصاد الإسرائيلي. من ناحيته اعتبر الخبير الاقتصادي تسفي لبيا أن زوال نظام مبارك يفرض على إسرائيل إعادة تقييم موازنة الأمن الخاصة بها من جديد، مشيراً إلى أن تهاوي الأنظمة العربية المحيطة بإسرائيل يفرض على دائرة صنع القرار إعادة رسم سلم الأولويات من جديد. وفي تحليل نشره في النسخة العبرية لصحيفة « يديعوت أحرونوت »، أشار إلى أن زوال نظام مبارك يفرض على إسرائيل انتهاج سياسة تقشف، علاوة على تراجعها عن بعض الخطوات التي هدفت إلى تقليل الأعباء عن كاهل الإسرائيليين، مثل تقليص الضرائب، وتفضيل المناعة الأمنية على المناعة الاجتماعية. وستؤدي التداعيات الجيو سياسية للزلزلة التي شهدتها مصر إلى إعادة تقييم الموازنة الإسرائيلية بشكل كامل.
حليف عضوي للولايات المتحدة
الصحافة الاسرائيلية ركزت كثيراً على سقوط الأنظمة الحليفة للولايات المتحدة في المنطقة واثر ذلك على مكانة اسرائيل كحليف عضوي للولايات المتحدة، وكذلك انعكاس التغييرات الجديدة على الاستراتيجيات في المنطقة ، فبعض الكتاب يرى أن الثورات التي شهدها العالم العربي والتي أدت إلى سقوط أنظمة استبدادية متعاونة مع الولايات المتحدة والغرب وضعضعة أنظمة أخرى من نفس الطراز، يدلل على أن مكانة إسرائيل كحليف استراتيجي للولايات المتحدة قد زادت بشكل كبير، على اعتبار أن هذه التطورات أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك بأنه لم يعد هناك للولايات المتحدة حليف مستقر يمكن الاعتماد عليه في الحفاظ على المصالح الأميركية في المنطقة سوى إسرائيل.ويرى وزير الحرب الصهيوني الأسبق بنيامين بن اليعازر أنه في أعقاب سقوط نظام الرئيس مبارك، الذي كان يعد أوثق حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة وأكثرهم استعداداً لخدمة المصالح الإسرائيلية، فإنه لايمكن الوثوق بالأنظمة العربية الأخرى التي لما زالت متحالفة مع الولايات المتحدة الأميركية.
فقد كتب يورام إتينغار رئيس مركز « بمحشفا للدراسات الاستراتيجية » يرى أن ما خسرته الولايات المتحدة من حلفاء في غضون شهرين يذكرها بما خسرته على مدى عقود، منوهاً إلى خسارة واشنطن في الماضي نظام الشاه في إيران وتركيا، وهي اليوم تخسر مصر وتونس، وهو ما يمثل ضربة قاصمة ليس فقط للولايات المتحدة، بل لإسرائيل بشكل أكبر.لكن – حسب – إيتنغار – فإن أعظم ما تقدمه إسرائيل للولايات المتحدة يتمثل في المجال الاستخباري، حيث ينقل عن السيناتور إينويا رئيس لجنة الموازنة في مجلس الشيوخ، والذي شغل في الماضي منصب رئيس لجنة الاستخبارات، قوله إن ما تقدمه إسرائيل من معلومات استخبارية للولايات المتحدة يفوق ما تقدمه دول حلف الناتو مجتمعة. ويكشف إيتنغار النقاب عن أن إسرائيل أسهمت وتسهم بشكل كبير في تطور القدرات الأميركية في مواجهة قوى المقاومة في العراق وأفغانستان، مشيراً بشكل خاص إلى إسهام إسرائيل في تقديم مساعدات تقنية وفنية استخبارية للجيش الأميركي مكنته من تحسين قدراته في مواجهة تهديد العبوات الجانبية والسيارات المفخخة، فضلاً عن تعقب المقاومين والتحقيق معهم.
احتياط استراتيجي وقيمي للغرب
رون بن يشاي يقول في مقال كتبه في يديعوت احرونوت « ما يحدث في العالم العربي يحمل كثيرا من الأخبار السيئة بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة، مشيرا إلى أنه بالرغم من أن مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية يحاول الادعاء بأن الاضطرابات في المنطقة تبرز «حقيقة كون إسرائيل جزيرة الاستقرار والديمقراطية في المنطقة»، وبالتالي فإن إسرائيل هي ذخر استراتيجي وقيمي للغرب، فإن هناك شكوكا فيما إذا كانت هذه الادعاءات تحسن من وضع إسرائيل السياسي والأمني.ويضيف في هذا السياق أنه ربما تلقى هذه الادعاءات آذانا صاغية في الرأي العام الأميركي، وربما في أوروبا، ولكن أهميتها العملية ضئيلة جدا، فحتى لو قررت إدارة أوباما العمل العسكري ضد البرامج النووية الإيرانية أو البحث عن قواعد جديدة ضد ما أسماه «الإرهاب العالمي»، فهناك شك بأن يتم ذلك من إسرائيل، ذلك لأن من شأنه أن يثير الشارع الإسلامي ضد الولايات المتحدة، ويعزز الدعم الداخلي في الدول العربية للجهات الإسلامية، ودعم الشارع الإيراني للنظام في طهران، فكل ما أنجزته الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون عندما دعموا مطالب المنتفضين وفي عدم استخدام القوة ضده سوف يضيع سدى كنتيجة للتعاون الوثيق مع إسرائيل.
ويسوق الكاتب رد فعل الشارع العربي على الفيتو الأميركي في مجلس الأمن على قرار إدانة الاستيطان على أنه دلالة على ذلك. ويضيف أنه من دون شك فإن الغرب ينظر إلى علاقاته مع إسرائيل في الوضع الحالي على أنها ذخر استراتيجي وسياسي، ولكن العكس صحيح أيضا، فالصراع «الفلسطيني – الإسرائيلي» يخلق إمكانيات قابلة للتفجر، ومن الممكن أن يلهب الشارع العربي ليطال الأنظمة العربية المتحالفة مع الغرب والتي لا تزال قوية حتى اللحظة.