تجعل منها لغة بصرية بليغة تحاور من خلالها المتلقي -مهما كانت ثقافته- بشاعرية تدغدغ دواخله وتحاور ذهنيته التي باتت تحت وقع الملل أمام تقليدية اللقطة المفرطة في التقنية أو تلك المنزاحة للبساطة المستسهلة في محاولة ناجحة منها لهدم الرتابة السائدة.
تلهث الفنانة رهف خلف المشهد الذي يشكل حالة فنية ذات سطوة وتأثير، فتحمله كصورة المزيد من الجماليات والقيم، فانتقاؤها للعنصر المستهدف يعكس حالة من الفهم العميق للغاية والهدف، وهذا ماتصرح به لحظة توثيق أو تجسيد الواقعة أو التفصيلة من خلال اختيار الظرف الزماني المناسب والحدود الراسمة للكادر وزوايا العدسة المرتبطة بالمبصور إضافة لحجم الإضاءة ومصدرها.. وماتقوم به الفنانة رهف كفيل بنتائج مهمة كالتي رأيناها في العرض، وبالطبع فإن هذه النتائج تكشف عن قيم متعلقة بيسر التواصل بين الصورة والجمهور وبطبيعة اللقطة التي تتسم بالنقاء والدقة والعلاقات المنسجمة بين العتمة والفضاء المضاء وبالتوازن بين الأبيض والأسود وبحسن التركيز على أشياء معينة وبانسجام اللون مع محيطه الحيادي برمادياته، كذلك بحضور عامل الزمن عبر الإيحاء لذلك بالحركة أوبالظلال أو في اتجاه العناصر أوبمصادر الإضاءة الطبعية، وهذا بطبيعة الحال يمنح هذه الأعمال المزيد من الجماليات فالصورة تضعنا في حال من المتعة والتذوق، فهي عمل فني متكامل.
خبرة الفنانة رهف وعشقها لهذا الفن جعلها تتبع سلوكاً فنياً معيناً فيما يخص الجانب التقاني لإنتاج الصورة، حيث نلاحظ التوازن في هذه العملية فلا تخضع للحلول السهلة من حيث الاستخدام الواسع للمعالجات الفيزيائية أو الكيميائية بحيث تطغى على واقعية المتناول من تفاصيل جراء الاعتماد الواسع على التكنولوجيا بعمومها والرقمية بكشل خاص، ولاتسقط في الوقت عينه من حساباتها مايخدمها من هذه التكنولوجيا وما يرتقي بعملها فهي مواكبة لتطور فن التصوير في الوقت الذي تسعى فيه للحفاظ على حساسية وروح اللقطة الواقعية، وروح الحالة التي تجذبها إلا أن التفكير وبعمق هو دافعها للعمل.
من اللقطات المؤثرة هي تلك التي تتبع أخيلة أو ظلال أشخاص ومن خلالها تعبر عن ماهية الحركة والأشخاص أنفسهم بالرغم من عدم ولوجهم الكادر، فتبدو الظلال مفترشة الأحجار المرصوفة ومابينها من أخاديد، فتتداخل ألوان الأرض مع الظلال بحضور واضح للضوء الذي يصرح بزمن التقاط الصورة.
وهناك أيضاً اللقطات التي تظهر بورتريها وخلفه بياض فيحدد سواد الشخص طرفي الصورة في حين تتسع خلفية اللوحة المضاءة خارج الكادر، فلا حدود قاسية أومستمرة للصورة.
كذلك فإن للسواد الذي تتخلله في الوسط عناصر ملونة ودلالات معينة وقيماً جديدة تميز عمل الفنانة وتمنحها المزيد من الخصوصية.
كذلك تركز الفنانة على مايمكن أن نراه ولا نلحظ جمالياته أو حتى أننا نراه ولانراه في الوقت عينه كالتفاصيل الدقيقة والدقيقة جداً كقطرات ماء على عود أو غصن، أو حركة سريعة متواترة لعنصر ما وهكذا، وهي بهذا تكشف لنا مكامن الجمال في حالات وتفاصيل ما كنا لنتلمسها لولا جمالية اللقطات التي أبدعتها الفنانة.