لأفضل فيلم سوري مُشارك ضمن فعاليات أيام سينما الواقع وكان سبق للفيلم أن نال الجائزة الثانية في فئة مسابقة المهر العربي للفيلم الوثائقي في مهرجان دبي السينمائي الدولي السابع .
ينوس الفيلم بين الواقع والحكايات التي تحمل فيما تحمل روح المكان والمدينة رغم الخرافة التي تكتنفها في أغلب الأحيان ، انطلقت سؤدد من الفكرة التي عادت وختمت بها الفيلم وهي العلاقة التي تربطها بسوق مدحت باشا وبسقفه وعلاقة هذا السقف بجدها ، لقد حمل فيلمها الكثير من الحنين والحميمية والحب لمدينة مكتنزة بأريج التاريخ والذاكرة وحمل أيضاً نغمة صوت لم تغب عنه بحة الألم عند المقاربة بين القديم والحديث فيما يتعلق بالبيوت والأزقة والأسواق والحكايا. كما حفل الفيلم بدلالات تصب في مجملها حول مفردة واحدة هي (الشام) .. كيف كانت وكيف يراها أهلها وكيف يرونها الآن ؟ وما الحكايات التي كانت تُنسج حولها وما الذي بقي منها في الأذهان ؟.. هذه الحكايات التي تدخل في الوجدان والذاكرة وتمتزج مع عبق المكان ، وسعياً منها لترسيخ هذه الفكرة استخدمت في بعض الأماكن (الانيميشن) للتعبير عن المُتخيل والمُشتهى .
قُسِّم الفيلم إلى عدة حكايات ، الحكاية الأولى جاءت بعنوان (الحية ألفية) وهنا تناولت العلاقة الروحية بين الأموات والأحياء والأساطير التي تحكي عن الألفة التي تكون بين الأفعى وسكان المنزل ولم تغفل المخرجة التركيز على البيوت التي باتت شبه مهجورة أو مهجورة بالفعل رغم أن جدرانها تكاد تنطق بتاريخ كامل من الحياة مشددة على واحدة من ميزات دمشق القديمة وهي الألفة والمحبة التي تسود بين سكانها الأمر الذي كان للبيوت الدمشقية دوره فيه، كما ركزت على فكرة التعايش والانسجام الجميل بين جميع سكان المدينة . الحكاية الثانية (بردى نهر الذهب) أظهرت فيها كيف كان حال نهر بردى وكيف يشتهي السكان الذين يقطنون ضفافه الآن أن يكون ، والمقارنة بين غزارته والحياة التي كان يعطيها حتى للبيوت وبين نضبه اليوم . لدرجة أن الجد لم يُشغّل البحرة في منزله العربي منذ أربع سنوات حتى بات مفتاحها صدئاً ، لا بل هناك من ذهب إلى أبعد من ذلك وأكد أنهم كانوا يصطادون السمك منه وأخرى دللت على تراجع (الزرع الأخضر) في تلك البيوت من خلال اعتنائها بالزهر الاصطناعي ، وهناك من تحدث عن كنوز قد تكون مدفونة تحت الأرض كما تقول الأساطير ، ولم يغب العنصر النقدي أو المؤلم من الفيلم فذاك كهل يحكي عن أن (الشام جنة بغوطتها) ولكن لم يعد اليوم هناك من غوطة !.. وطرحت الحكاية الثالثة (المدينة المحمية) فكرة أن الله يحمي الشام فرغم ما أتى عليها عبر التاريخ من ويلات وحروب وهزات أرضية وحرائق إلا أنها كانت الأرض المحمية دائماً . وذهبت المخرجة في قصتها الأخيرة في الفيلم والتي عنونتها بالدونكيشوت الدمشقي إلى مكان آخر ليس ببعيد عما تناولته في الحكايات السابقة لكنه مختلف ، ذهبت إلى مكان نسمع فيه صرخة الألم من حنجرة مُسن يكابد ليُحسّن من وضع الترميم السيئ لمنزله فجاءت مداخلته في الفيلم لتخلق تنوعاً وقطعة فسيفسائية تكمل فيها المخرجة لوحتها بما حملت من حنين وألم .. وحكايات .
لقد فتحت المخرجة دفتر ذكريات العديد من الأشخاص الذين أغنوا الفيلم بعفويتهم وحميمية حديثهم عن الشام وتاريخها المحكي ، ولكن على الرغم من ذلك تشعر أحياناً أن هناك حكايات ربما تكون أكثر التصاقاً وتعبيراً عن المدينة قد غابت ، ولكن يبقى اختيار ما تم تقديمه خيار المخرجة التي استطاعت أن توصل ما تريد بذكاء وبساطة .