فحسب رأيهم انه من غير المقبول استخدام الفصحى التي يرونها أقل حيوية عندما يتداولون النكات مثلا لأنها ستفقد حينها طعم الفكاهة, فهل هذا صحيح؟ هل شكل استخدام الدردشة أو «التشات» لغة خاصة بالشباب ؟ وذلك من خلال خلق نوع خاص من الإشارات والرموز بدل الكلمات في عملية التواصل وهل ستنتقل هذه الإشارات إلى حياتهم اليومية مستقبلا ؟ وما مدى تأثيراتها ؟
أسرع
ترى فاطمة ف 30 عاما وهي موظفة وخريجة أدب انكليزي: أن غالبية محادثاتها مع صديقاتها المتواجدات خارج البلد، حول أي موضوع كان, بأنه يتم باللهجة العامية،وليس باللغة الفصحى, وذلك لأنها أسرع في عملية الكتابة،إضافة لاختصار الوقت والزمن، وتعزي السبب لعدم القدرة على تخطي قواعد اللغة العربية أو تجاهلها إضافة لصعوبة استخدام بعض المفردات التي قد تكون غائبة عن الأذهان، وللصعوبة في انتقاء المفردات والكلمات المناسبة.
الجــــرأة
وبالنسبة للشاب سلوان حاتم, فان معظم كلمات العامية فصيحة، فهي لا تقلل من أهمية وطابع الحوار وكونها لهجة عصرية, فهذا لم يجعل الحوار خارج إطار المألوف،و بالمقابل هناك ألفاظ لم نكن نجرؤ على الكلام والخوض بها،كونها كانت ضمن المحظور،أما الآن فنستطيع استخدامها للمزح مثلا وفي الكثير من كلامنا. ولا أنكر أن «التشات» أصبحت جزءاً من يومياتي فيه أجد متعة وفائدة واكسر من خلاله الملل الذي يفرضه روتيننا اليومي علينا.
القفز على حاجز اللغة
بينما يشير الصحفي يعقوب قدوري إلى أن هذه الإشارات التي يتم استخدامها قد تم استيراد فكرتها من الغرب،لاختصار الكلمات وتقليل عدد الضغطات على لوحة المفاتيح « الكيبورد» وخاصة أن الدردشة تجري في كثير من الأحيان عبر أجهزة المحمول وأثناء الانشغال بأشياء أخرى.
وقد أخذنا هذه الفكرة وأدخلنا استخدام الأرقام والرموز للقفز على حاجز عدم وجود بعض الأحرف العربية في اللغة الانكليزية، كما أن سعة الانتشار بين الشباب حولت طريقة الكتابة هذه إلى لغة وبدأت تظهر الآن في بعض الكتابات العادية وفي الإعلانات التجارية.
للدعم
وهذا ما يؤكده الشاب فراس سليمان 31 عاما خريج معهد فندقي, ويعمل في أحد مقاهي الانترنت، موضحاً أن هناك بعض البرامج لا تدعم اللغة العربية كتابة, ولهذا تتم الكتابة بالأحرف الانكليزية بدل العربية, كما تتم الاستعاضة عن بعض الأحرف بالأرقام مثلا, حرف الحاء برقم سبعة، والخاء بالخمسة, والطاء بالستة..
للاختصار والضرورة
أما علي:فيقول إن الدردشة جميلة جدا فأنا أجد من خلالها متنفسا من دراستي، وذلك في العطلة الأسبوعية، دون أن تؤثر على دراستي أي بوقت محدد ومنتظم.وبصراحة هي مجرد تضييع للوقت والجهد والمال،وما إذا كان استخدام إشارات ورموز معينة للتمويه على معلومات معينة وعدم كشفها من قبل البعض،فيشير إلى أنها أصبحت معروفة لدى الجميع وهي ليست سرية ولا خاصة بأحد, ولكن للاختصار فقط.
مجتمع خاص
بينما يرى آخرون أن عدم مواكبة مجتمعاتنا لمتطلبات الشباب،جعلهم يحاولون تكوين مجتمعهم الخاص بهم،لان الزمن اختلف،فما كان ممنوعا سابقا أصبح الآن متاحا،وان هذه التقنية هي جزء من ثورة الاتصالات وهي حالة من التواصل البديل ( الافتراضي) سواء كانت من خلال الحاسب أم الخلوي...... فمن خلالها يتم تعويض النقص في قلة التواصل عند البعض, نتيجة ساعات العمل الطويلة من جهة أو البعد بالإضافة إلى ذلك فإنها تساهم في نقل المعلومة ومنع احتكارها. وبالمقابل هي تدعم العزلة وتخفف الانسنة داخلنا.
هل بدأ التواصل البديل يثير المخاوف من التعدي على اللغة الفصحى فما رأي أهل الاختصاص بذلك.
الاستبدال خطيئة
الدكتور أسامة الاختيار عضو هيئة تدريسية في قسم اللغة العربية بجامعة دمشق،اختصاص الأدب القديم يقول باختصار: هذا الأمر يرجع إلى سببين،الأول هو: إن من يرى استعمال العامية بدلا من الفصحى أسهل،إنما يرجع هذا إلى ضعفه في العربية, وليس إلى ضعف العربية فاللغة العربية من السهولة واليسر بمكان على المتحدثين بها, وهي الرابط الوحيد الذي بقي جامعا لشتات هذه الأمة, فإذا فرطنا به فقد سلمنا حصننا الأخير، الذي نتفق جميعا على انه هو القاسم المشترك بيننا.
والسبب الثاني: إن استخدام العامية بين الناس ليس دليلا على سهولتها وليس سببا مرجحا لاستعمالها،فاستبدال العامية بدلا من اللغة الفصيحة خطيئة ستدفع ثمنها هذه الأمة،إن أشعناها ولعلي أقول انه ليس بالضرورة أن نستخدم تلك اللغة التي كان يستخدمها أسلافنا فاللغة العربية كأي كائن هي يقبل التطور من غير التفريط بالقواعد, وما من أمة ترضى لنفسها أن تترك لغتها وتلجأ إلى لغة أخرى،وتعنى بها مهما كانت من العظمة.
ولا نبالغ إذا قلنا إن العربية بشهادة كثير من المستشرقين هي أقدم لغة حية بحروفها وأصواتها إلى أيامنا هذه.
المحطات الفضائية تكرس ذلك
من جهته أضاف الدكتور نبيل أبو عمشه رئيس قسم اللغة العربية في جامعة دمشق أن العزوف عن العربية إلى العامية ليس بالضرورة لسهولة العامية وإنما يرجع ذلك إلى العادة التي درج عليها أولئك الشباب حتى إنهم ادخلوا في العامية من اللغات الأخرى ما لا يليق بها والطامة الكبرى أن نجد العامية قد استعملت حتى أخذت مكان الفصحى في الإعلام والتعليم مع أننا نسلم انه ما من لغة في الدنيا إلا ولها مستويان،المستوى الدارج بين الناس والفصيح, وللأسف بعض المحطات الفضائية يساهم في تكريس هذا النمط من المحاورات, وهذا يشكل نوعا خطيرا من التفاعل,مشيرا إلى تنبه القيادة الرشيدة في بلدنا على هذه المسألة,حيث أصدرت مجموعة من المراسيم التي تحفظ للعربية حقها.
علم الاجتماع: ظاهرة طبيعية
ينظر الاختصاصيون إلى استخدام «التشات» كما يوضح لنا الدكتور توفيق داوود أستاذ علم الاجتماع في جامعة دمشق أنها ظاهرة للتواصل بين البشر وهي ظاهرة إنسانية بالمطلق على الرغم من تعدد أشكالها وصورها بحسب تطور المجتمعات الإنسانية والمراحل التي مرت بها آليات وأشكال التواصل سواء المباشر أم غير المباشر.
فالتواصل المباشر الذي تشترك فيه كل مكونات الحس الإنسانية من أجل بلوغ حالة من الحوار والتواصل الذي يهدف لغايات إنسانية يبتغيها الناس من خلال التواصل مع بعضهم البعض والظاهرة الآن هي شكل من أشكال التواصل الإنساني وفرتها الوسائل التقنية المعاصرة وبالتالي قدمت للناس وسيلة سريعة جدا وأيضا أبعدت عنهم كل وسائل ومعايير الضغط الاجتماعي التي تشكل جزءاً لا يتجزأ من ثقافة أي مجتمع من المجتمعات التقليدية.
وهذه طبعاً ظاهرة مجتمعية إنسانية طبيعية يتعامل معها المجتمع الإنساني وتحديدا الفئات الشابة وبمهارة فائقة وان هذه التقنية يعايشها الشباب ويمتلك القدرة على التعامل معها بمهارات ربما تتجاوز المهارات الأخرى وبالتالي هذه الظاهرة هي طبيعية تواصلية إنسانية وبالتالي الجماعات الإنسانية والفئات المجتمعية لا بد من أن تحسن وان تجيد استخدام وسائل التواصل.
ولا ضير بان تدرس هذه الظواهر للوقوف على ايجابياتها وسلبياتها على الرغم من أن الايجابي فيها أكثر من السلبي وان الظاهرة هي من صنع إنساني وأداة إنسانية من أدوات التواصل تفرض مستويات التطور والوعي والمعرفة التي بلغتها الإنسانية بشكل عام مع الإقرار بمستويات الفعل الذي مارسته المجتمعات الإنسانية في مستويات وتقدم هذه الثقافة وحدود ما وصلت إليه.
لكن يكمن الخوف كوننا نستخدم تقنية لم نسهم في صناعتها أو في بنائها،نستهلكها ونتمنى أن تعود بالنفع والايجابية, مع تحفظنا على بعض أنماط الاستخدام وتأكيدنا على أنماط أخرى ولكن بالمطلق كل تواصل إنساني بين البشر وكل آلية حوار لابد أن تتمخض في النهاية عن ارتدادات ايجابية.