عرفنا الأولى فماذا عن الثانية فأجابه: قراءة الكتب فهي لاتزعجك بصوت ولا تجسس عليك بسمع ولا تتطلع عليك ببصر، ترى لو أن عم الخليفة أو غيره عاش في عصرنا وتوفر له ما يتوفر في حاضرنا من منابر ومراكز متخصصة لتقديم خدمات كالقراءة وغيرها ما كان حسبه في القول؟ أسئلة تطرح ونحن نستعرض الأرقام التي تتحدث عن أعداد القرّاء في وطننا العربي، وعدد الكتب التي تُقتنى أو تُوزع مقارنة مع غيرنا من شعوب العالم، وهو أمر يستوجب الوقوف عنده وإخضاعه لمخبر التحليل. فثمة دراسات تشير الى أن نسبة الأمية في الوطن العربي تزيد على ثلاثين بالمئة وهذا يعني أننا أمة المئة مليون أمي، ونحن نعيش في العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين القرن الذي يبلغ فيه عدد متصفحي الشابكة أكثر من مليار شخص في العالم والأمية لم تعد قضية فرد لايقرأ ولا يكتب وإنما مشكلة لها آثارها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وانعكاسها السلبي على قضية التنمية، ان الدراسة المشار إليها ايا كانت درجة موضوعيتها ودقتها هي على درجة عالية من الخطورة إذ تشير إلى أن حصة العربي من القراءة في السنة لاتزيد على ست دقائق وأن الدول العربية هي من اقل دول العالم طباعة وإصداراً للكتب حيث تبلغ حصة كل مليون عربي اقل من ثلاثين كتابا في السنة، وتتسع الفجوة عندما يتعلق الأمر باقتناء الحاسوب حيث المتوسط العالمي هو ثمانون حاسوباً لكل ألف شخص. بينما هي في عالمنا العربي لكل عشرة آلاف شخص وتشير الدراسة الى أن الكثير من العلماء العرب يهاجرون خارج بلدانهم بحثا عن بيئة عمل أفضل وفي إشارة لأفضل الجامعات وفق تصنيف جامعة شانغهاي وهو تصنيف دولي معترف به لا ترد على قائمة أفضل خمسمئة جامعة في العالم سوى جامعة عربية واحدة هي جامعة القاهرة والسبب هو أن اثنين من خريجيها نالا جائزة نوبل وهما نجيب محفوظ وأحمد زويل.
إن ظاهرة الأمية وتدني نسبة القراء وضعف المستويات العلمية لاتتناسب البتة مع ما يخصص من مليارات للتعليم بمستوياته المختلفة وكذلك الاستراتيجيات الوطنية للقضاء على الأمية، والواضح أن مدخلات التعليم لاتتناسب مع مخرجاته بدليل المعطيات التي ألمعنا إليها سابقاً وأمام هذه الظاهرة الخطيرة تبدو الحاجة ماسة لاستراتيجية جادة للمعالجة سواء لظاهرة الأمية أم ضعف القراءة وهذا يتطلب جهداً مشتركاً ومنسقاً تشارك فيه المؤسسات التربوية والتعليمية والثقافية والإعلامية وقوى المجتمع المدني وفي مقدمتها المنظمات الشبابية من طلبة وشبيبة واتحاد نسائي واتحاد الناشرين وغيرها، بحيث تكون قضايا القراءة والثقافة والمعرفة أساسية في استراتيجياتها ووفق صيغ جديدة تتناسب مع معطيات العصر الحالي وظروف الشباب. إن التركيز على حصص المطالعة في المدارس وتجديد المكتبات المدرسية والسماح للمدارس باقتناء الكتب والعمل بنظام المكتبات الالكترونية في الجامعات والمعاهد ومنح الطلبة تخفيضات وحسومات حقيقية عند إقامة المعارض التي تقيمها دور النشر هي من الأساليب الناجعة في مواجهة تلك الظاهرة الخطيرة.
إن عودة لتاريخنا وتراثنا العربي منذ آلاف السنين يشير إلى أن العرب هم من أكثر الأمم حثاً على المعرفة، واحتراماً للكلمة ففي تراثنا قول السيد المسيح في البدء كانت الكلمة والوحي الإلهي لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بدأ: اقرأ. ونذكر الحديث المشهور مداد العلماء يساوي دماء الشهداء.
وفي عصرنا الحاضر نتذكر جميعاً قول القائد الخالد حافظ الأسد: الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية وجميع حاجات الإنسان الحياتية لها حدود إلا حاجة الثقافة لا حدود لها.