|
وعد شرف إضاءات وفي الثانية رحابة الشعور باحتواء اللوحة للفنان، وفي كل الأحوال هي حالة خاصة من المتعة يعيشها المبدع الموهوب، أياً كان مجال إبداعه. ليست اللوحة الصغيرة نسخة مصغرة عن مثيلة كبيرة، ولا القصة القصيرة تلخيصاً لرواية، ولا (الكونشرتو) اختصاراً لـ(سيمفونية)، وكذلك فالفيلم القصير ليس عرضاً موجزاً لفيلم طويل، لكل من هذه الإبداعات خصائصها التي تنفرد بها عن غيرها، ولو كانت من عمل مبدعٍ واحد، لكن هل تتأثر السوية الإبداعية للفنان والأديب باختلاف (القالب) الذي يقدم فيه نتاجه الإبداعي؟.. هو سؤال تجيب عنه عشرات التجارب بالنفي غالباً، فقد تظهر الموهبة بشكل أبهى من خلال نوع دون سواه، لكن روحها تظل هي هي مهما اختلف إطارها الإبداعي. وهذا ما يمكن قوله عن المخرج القدير باسل الخطيب وفيلمه السينمائي القصير «وعد شرف»، الذي ُأنتج بالتعاون بين الجمعية السورية لدعم أسر الشهداء (تموز)، وشركتي «الهاني» و«جوى فيلم»، وعُرض الأسبوع الماضي في احتفال خاص بدار الأوبرا بدمشق، بمشاركة المغنية الرائعة ميادة بسيليس. باسل الخطيب، الشغوف بجمال الصورة، وتفاصيلها الصغيرة، وجد في الإطار الزمني الصغير لـ(منمنمته السينمائية) مجالاً رحباً تتنقل فيه عين كاميرته الساحرة من مشاهد الطبيعة الخلابة، إلى وقائع الحرب الدامية الدائرة منذ خمس سنين بين أرجائها، وبين هذه وتلك حكاية يومية، صاغها بحساسية مؤثرة وعمق إنساني سامر محمد اسماعيل، فكادت تبدو لشدة صدقها تقريراً إخبارياً عن واقعة حقيقية، وربما تكون كذلك فعلاً.. هي عن عائلة لا يندر وجودها بيننا: أبٌ أرملٌ في العقد السادس من عمره، يغالب مشاعر فقد شريكة حياته، والشوق إلى ابنه الأكبر الذي يقود وحدة عسكرية صغيرة. يعيش في بيته الريفي مع بقية عائلته: ابنه الثاني، المصور الضوئي الذي كرس عمله لإنجاز صورٍ كبيرة تكشف عن الروح المُحِبة للحياة في وجوه شباب غادروها وهم يدافعون عن أرضهم وناسهم، ومع ابنه الثالث، الطالب الجامعي المنتمي إلى تلك الشريحة الشابة التي أرهقها الحدث، فقادها إلى الإحساس بالضياع، والفشل في الدراسة، واختارت الهروب من مواجهة واقع قاسٍ، وكذلك مع الابنة الوحيدة، معلمة المدرسة، التي تغمر جميع أفراد الأسرة، ومعهم تلاميذها الصغار، بدفء عاطفتها،ولطف حضورها. وهي حكاية طالما سمعنا ما يشبهها، حتى في مفردات الأحاديث اليومية، ولذلك كانت قادرةً على اختراق ضمائرنا، وإثارة المشاعر الكثيرة في نفوسنا، بدءاً من الحوار النزق بين الأخت وأخيها الطالب الجامعي، ثم بينه وبين أبيه الصلب، بالتوازي مع اللحظات التي يقرر فيها الشقيق الأكبر المبادرة، حتى قبل أن تصل قوة المؤازرة، لتحرير مجموعة أطفالٍ وشيوخ احتجزتهم مجموعة من الغرباء المسلحين... وصولاً إلى اللحظة الأخيرة في الفيلم، تلك الحكاية الواقعية البسيطة، شبه المألوفة، صاغها سامر محمد اسماعيل ببساطة واقعية تنأى عن المبالغة ليوصل عبرها أفكاراً واضحة بعيدة عن المباشرة والخطابية، وملامسة للحظات إنسانية يجمعها الصدق مهما تباينت فيها التفاصيل. ومن المؤكد أن الأسلوب الذي اختاره الكاتب يتوافق مع أسلوب المخرج، واستعيد هنا بعضاً مما كتبته بعد عرض الفيلم الروائي «الأم»، حيث قلت: «وقائع تماثل، إلى حد الوثيقة، ما نعيشه ونسمع عنه كل يوم، غير إنها، مع ذلك، تبدو وكأنها صور أحلام، وكوابيس، أبدعتها خيالات سينمائي بارع عن زمان ومكان متخيلين، وربما هنا تحديداً تكمن موهبة باسل الخطيب وتفرده، وأعني تلك المقدرة المدهشة على الارتقاء بحدث واقعي إلى مشهد رومانسي رائع بتعبيرات عاطفية فائقة التأثير،تكتنف قوة الحب والألم، دون جنوح إلى المبالغة والتكلف..». إضافة لموسيقا سمير كويفاتي الخبير بما تحتاجه أعمال باسل الخطيب، وكلمات أيمن زيدان المعبّرة التي صدحت بها ميادة بسيليس، نجح باسل الخطيب في اختيار فريقه الفني، كما نجح باختيار فريق الممثلين يتقدمهم المخضرم نجاح سفكوني، والقدير يحيى بيازي، فيما امتلكت جيانا عيد حضوراً آسراً، وأكد علي الإبراهيم قدرة كبيرة على الإقناع، وأظهر كلٌ من الخريجين الشابين فارس ياغي ولجين اسماعيل كفاءة في تمثل شخصيتيهما، بصرف النظر عن حجم دور كل منهما. «وعد شرف» مقطوعة سينمائية جميلة تنبض بالدفء والصدق www.facebook.com/saad.alkassem">والنبل.. www.facebook.com/saad.alkassem
|