تلك الروح المشروخة التي فقدت قدرتها لتُصيّر الأحلام المؤجلة ممكنة الوجود، وهذه الثقة التي بلورتها بامتزاج الصورة الشعرية ببعدها النفسي غير المعزول عن الكيان العام للنص.
وفي قلب هذه التجربة؛ تفسح الخش مدى البياض واسعاً للحب بأبعاده الكونية والعاطفية، حتى ليبدو أهم شواغل قصيدتها، وأياً كان غاية القصيدة وغرضها، ذلك الحب؛ الذي يُرفع كراية وردية في وجه الخراب الذي يهجم على حين غدر من الجهات الست، وترى الحب «أرشيف الحياة، وقواميسها إنه تربة المخلوق البشري والمادة الأزلية التي لا تقوم الحياة إلا بسحرها، وفك شيفرتها، من هنا فإن حركات الإنسان، رؤاه وشبكة علاقاته وتطلعاته كتاباته، لا بد من أن ترتبط به ارتباطاً جوهرياً لأنه عند الإنسان السوي هو منشأة الحياة.»
وتردف: لايتم الإنفكاك عن الحب إلا في حالات العقم والعدم حيث ما من عالم محب أو عاشق يمكن أن يخترع جهازاً لإبادة البشر، أو تشييئهم وجعلهم قابلين للكسر، إنه أُسى الحياة النقية.
وتذكر فاديا: «منذ بداياتي كنت استقصي المعاني من مناهلها البعيدة ومقاصدها الممتدة الشاسعة، وكنت أسعى لإبرام شبكة العلاقات التي تربط الكلمة بالكلمة، والكلمة بالكون والعالم المحيط، ولم أكتب يوماً بشروط ومقاييس»، وأن نكتب الشعر، يعني أن نكون في خضم الوشائج الحميمية، ولأن الأمر كذلك، فقد كتبت فاديا الخش من الشعر: «الحب زحفٌ مقدس، نارٌ منك تتبعني، المستأنس بينابيعه، وجمع المؤنث العاشق»، تلك بعض المجموعات الشعرية، للخشن المولودة في دمشق بهويةٍ لبنانية، حيث في عاصمة السوريين درست، وتعلمت، وكتبت قصائدها أيضاً، وفي صحفها - صحيفة الثورة -عملت محررة ما يزيد عن سبعة عشر عاماً،.
واليوم في حيز ديوان الشعر السوري الجديد، نقرأ من قصائد فاديا الخشن:
نهر يُطارد ضفتيه
اطوي وجهي
ما عدت أطيق السكن في ألوانك
الأفق يئن هذي الليلة؛
كثوبي
كدفتري
كعلقم قصيدتي،
وأنت الرحيل
نار هاربة في شفق
أزرق
نهرٌ يُطاردُ ضفتيه
فيغرق.
أبجدية النزهة
تحت ضوء الشمعة
داعبتُ قميصك الناحل
ضممتك لبستاني
وها أنت معي
في طريقي إلى المدرسة
مُسرعاً في القرميد الأحمر
سابقاً
كل المحطات.
الخرز المخضوضر
لم تلوّح للنار
كيلا تفقد أناملها
لم تقترب من الثلج
كيلا تفلش أسراره
السيدة التي كبر الضباب
في شفاهها
وتبرعم الابتهال
في رحلة بحثها.. عن حب
ما لبست الخرز المخضوض
ولا مرغت وجهها برحيق ال نا
لم يُطرز الشفق دانتيل
أيامها.
تخييم.. كي تخيم في الحبّ،
تحتاج الحسناء إلى مرآة تصهل.
وإلى صيف يتبعثر في فساتينها
يطفئ أعقاب الطفولة.
كي تخيم الحسناء
في محراب الشعر،
تحتاجُ إلى جدول يفك جدائل الأيام،
ويفرط سنابل الندى.
مساء الأغنية
هات شهوتك
وتناسل في جنائن ترحالي
موْسق النهار
واسبح معي في ماء الأغنية
ارم عني الإهمال
كيلا تبتعد في الجسد
تلك القهقهة
وكيلا يخطف
طير الصيف الغريب.
الزمن
ساكن قديم في طبقات الدفتر
يقضم قمصان النصوص،
ويخربش الربيع المعلق في اللوحات.
هو الذي يجر الشاطئ عارياً
بجواريه ويجر الأعياد.
يده أيام تصنع الخرائط المعفرة
وهو الذي يعمل في مقهى النهار
ساقية.. توزع الأصداف
على النجوم والعشاق.
فيا للانا في البرد مع البياض
وهو يرتطم بالوجه.
والغربة التي يتقدمها الثلج
حيث لم يبق سوى الابتسامات
المفككة.
مع تلك النجوم التي لا يلتقطها أفقٌ.
سؤال
لم ينم الليل بعد.
فكيف تُشَق الضحكة العصية؟
هل أخمد عنفَ الحزنِ هجيرُ
الترقب؟
أم خنق العطرُ الزجاجة؟
أم ابتلع النهرُ الأعماق َ
استحواذ
استرسل حبيبي
فالليل دموع ونساء وقصائد.
لن تستهويك أخرى
فأنت شاعر.