وتمثل دور الشرطي في آليات السياسة العالمية ، لكن المعادلة تغيرت بعد ظهور القطبية الثنائية وبريكس،وروسيا،والصين .
في الشرق الأوسط تركز اهتمام الولايات المتحدة على حماية مصالحها وفي مقدمتها (اسرائيل ) والنفط ... ولها قوات عسكرية بحرية وجوية ضخمة وجدت لحماية مصالحها وطمأنة حلفائها الخائفين ... وتهديد القوى الإقليمية والدولية المنافسة ... و تشجيع حلفائها الإقليميين على ارسال المزيد من السلاح والمرتزقة للتنظيمات الإرهابية في سورية لتقوم بقتل وذبح وتشريد السوريين.
المشهد الدولي اليوم يشير إلى تغيرات كبيرة في الشرق الأوسط : فتدخل القوات العسكرية الروسية في سورية جاء للمساعدة في ايجاد حل سياسي للأزمة في سورية، بالمقابل يؤكد وجود القوات الروسية على الأراضي السورية مدى ضعف أو فقدان السيطرة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط وفرض ذلك أمراً واقعاً جديداً...
قراءة ما جرى يشير إلى أن كل ذلك حصل في أعقاب ما سمي بـ(الربيع العربي) وانسحاب القوات الأميركية من العراق ،وما أنتجه من تدمير لبعض الدول ، ونشر الفوضى،وتفريخ للتنظيمات الإرهابية ... مع سياسة أوباما المنكفئة ،والقائمة على عدم نشر قوات برية على الأرض ،والادعاء بمكافحة الإرهاب جواً ،ما يساعد عملياً على إطالة عمر الإرهاب .
ولاشك أن وجود القوات والسلاح الروسي في سورية ، واطلاق صواريخ كروز من الأسطول الروسي في بحر قزوين باتجاه مواقع التنظيمات الإرهابية في سورية ،خلقا واقعاً جديداً ويعتبران تحولاً استراتيجياً كبيراً في منطقة الشرق الأوسط . الموقف الروسي من الأزمة السورية ومكافحة الإرهاب ازداد صلابة وقوة بعد أن ألقت طائرته بقنابلها على مواقع التنظيمات الإرهابية في الأراضي السورية، والتي بدأت بالتنفيذ في 30 أيلول من العام الماضي ، فموسكو وبالتعاون مع الجيش العربي السوري وحلفائه على الأرض استطاعت أن تضع حداً للحلف المعادي للدولة السورية الذي فشل في إحداث تغيير في الميدان ... الولايات المتحدة والسعودية وتركيا وقطر وأدواتهم فشلوا في تحقيق أهدافهم وفي اسقاط الدولة السورية بعد صمود الجيش العربي السوري وحلفائه في الميدان ،وجاء التدخل الروسي ليؤكد هذا الفشل.
لقد ظهر أنه كان لدى روسيا من المعلومات الاستخبارية ما يكفي عن المشروع الأميركي الامبريالي العدواني في المنطقة ، لتحقيق ما فشل في تحقيقه خلال السنوات الخمس الماضية ،ورغم كل ما أحدثه من دمار وانهيارات وفتن وشقوق اجتماعية في ليبيا واليمن وسورية والعراق ومصر وفلسطين ولبنان وتونس والبحرين ومن تقسيم للسودان وتوطين حالة فشل الدولة في الصومال وتقسيمها ،ومن محاولات جر الجزائر ثانية للحرب عليه ، ووضع موريتانيا في حالة التبعية لـ(تل أبيب).
لكن الدولة السورية التي على أرضها توقف تقدم ما اصطلح على تسميته(مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد ) كانت ولاتزال هي المجال الحاسم في الصراع واحباط أو نجاح المشاريع بغض النظر عن حيثياتها،لاعتبارات عديدة تتعلق بنظامها السياسي والاقتصادي المستقر على مدى أربعة عقود وجيشها العقائدي وتركيبتها الديمغرافية الحضارية المدركة لأهمية الاستقرار.
أما الظرف الموضوعي ،فله علاقة بالمتغيرات الدولية العميقة وأزمات أصحاب المشاريع المعادين للمنطقة اقتصادياً وسياسياً وتخلف حلفائهم وأتباعهم وما هم عليه من ظلامية وعقلية تكفيرية وممارسات طائفية ومذهبية .
من هنا وجدت روسيا نفسها أمام خيار لا ثاني له ،يقول بأن أمنها يرتبط بأمن المنطقة العربية ومركزه سورية ، ليس دفاعاً عن سورية فحسب ،وإنما أيضاً درءاً للخطر عن أمنها القومي الاستراتيجي ،والعالمي ، فالإرهاب عابر للقارات والحدود والدول ، مستعد لتأجير قدراته وقوة عمله لأي كان ، والضرب في أي موقع ومكان ، تحت مسميات من السهل عليه أن يوجدها، ويوغل في هدر الدم وتدمير المقدرات والحضارة والثقافة.
إن الحضور العسكري الروسي الفاعل في سورية أتى لتجنب أن يخدع الغرب روسيا كما خدعها في ليبيا ... (روسيا حاضرة) ولن تسمح بإسقاط الدولة السورية في الوقت الذي تسعى فيه لحل سياسي يحفظ سيادتها الوطنية ووحدة أراضيها وبدأ هذا الحضور منذ 30 أيلول الماضي ، وأنجز منذ ذلك التاريخ حتى الآن ، أضعاف أضعاف ما أنجزه التحالف الدولي الذي تقوده أميركا ، والذي أكدت الوقائع أنه تحالف مشبوه لا يريد محاربة الإرهاب ، بل ادامته واستثماره لمصلحة الغرب واللافت في هذا السياق ، أن موقف الرئيس بوتين الحاسم من الإرهاب لم يعجب الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة لعدة أسباب أهمها : تعرية هذا الغرب أمام العالم وافتضاح أمر تحالفه المشبوه ، ثم تأكيد روسيا أن الجيش العربي السوري هو الركيزة الأساسية لمحاربة الإرهاب في سورية. والشيء أو السبب الأكثر أهمية هو أن الغرب لا يريد لروسيا أن تتبوأ المركز الذي تستحقه كقطب عالمي يسعى بكل جدية لإقامة نظام عالمي يضع فيه حداً لهيمنة القطب الواحد ، وتطبق فيه مبادئ وقوانين الشرعية الدولية دون أي ازدواجية .