بإنهاء بعض الترتيبات للاستعداد لحفل زفافه المتواضع الذي كان مقرراً الخميس 31/12/ وإذ بقائد مجموعته يهاتفه ويخبره بأن لديه مهمة من أجل تحرير برج القصب من رجس الإرهاب وعليه الالتحاق .. فلبى نداء الوطن .. وعند الوداع وعد أهله وخطيبته بالرجوع منتصراً .. لكنه عاد عريساً للوطن .. عاد بشكل لا يشبه العرسان .. فلم يرتد بزة فاخرة ، ولم يتعطر بأفخر العطورات ،ولم ينتعل حذاء باهظ الثمن.. بل عاد ببزته العسكرية المضرجة بدمائه العطرة الزكية التي تشهد على بطولته ورجولته .. أما خطيبته فلم تكن تشبه العروس .. لم ترتد الفستان الأبيض ، ولم يتأبط عريسها ذراعها ، ولم تحمل باقة أزهار ملونة .. بل اتشحت بالسواد وحملت علم سورية وسارت وسط موكب مهيب للقاء عريسها الشهيد والمشاركة في مراسم الدفن..
والدة الشهيد السيدة هناء هيفا قالت والدموع تملأ عينيها .. كنت أتمنى أن أفرح بابني ولكن قدر الله وما شاء فعل .. حزني كبير على فراق ولدي الذي كان محبوباً من قبل الجميع لأخلاقه النبيلة التي ربيته عليها ولشهامته ورجولته.. ابني أحمد -رحمه الله -تطوع في الكلية البحرية وتحمل المسؤولية باكرا وكان يقدم لنا المساعدة .. وتضيف .. كلما زفينا شهيداً من أبناء قريتنا كنت أحزن على أمهات الشهداء لمفارقتهن أولادهن وأقول لنفسي هل سيأتيني الدور ويستشهد أحد أبنائي إلى أن حصل ما كنت أتوقعه فاختار الله ابني شهيداً ومنحنا هذا الشرف العظيم .. رحم الله ولدي وجميع الشهداء.
والد الشهيد السيد إسماعيل قال : أنجبت ثلاثة شباب أحمد وقصي ووضاح .. ربيتهم على حب الوطن والتضحية من أجله .. وجميعهم يحملون السلاح ويحاربون الإرهابيين في سورية .. ولدي أحمد -رحمه الله -استشهد في معارك تحرير مدينته اللاذقية ولولا تضحيته وتضحية رفاقه لما كنا الآن نجلس في قرانا وبيوتنا بأمان وسلام ..
ـ قصي شقيق الشهيد أحمد يقول : منذ بداية الحرب على سورية وأنا أخوض معارك الشرف في الدفاع عن بلدي إلى جانب رفاقي إلى أن أصبت برأسي العام الفائت ولا أزال على رأس عملي وسأكمل الدرب الذي سلكله أخي .. درب الشهادة أو النصر .. ويوافقه الرأي الأخ الثالث وضاح قائلاً.. عندما استشهد أخي كنت معه في معركة تحرير برج القصب وقد قال لنا قائد مجموعتنا أن لا نكون مع بعضنا في نفس المهمة لكن أبينا إلا أن نكون سوية فإما الشهادة أو النصر وكنت أتمنى لو شاركنا أخي فرحة النصر ولكن الحمد لله مكانته عالية عند رب العالمين وسأكمل المشوار حتى آخر رمق.
ـ حيدر الأخ الأصغر للشهيد والذي لم يتجاوز السابعة عشر من عمره أخبرنا بأنه بعد إصابة شقيقه قصي قرر ترك مقاعد الدراسة واختار طريق الجهاد والمقاومة وتطوع في إحدى المجموعات الوطنية للدفاع عن سورية ليقول للعالم .. صغير أنا ولكن حبي لبلدي كبير ويستحق أن نضحي بأغلى ما نملك من أجله..
هبه الأخت الوحيدة لهؤلاء الأخوة المقاومين تقول : أفتخر بشهادة أخى وأرفع رأسي عاليا بعائلتي المقاومة وأخوتي الذين تخلوا عن كل شيء وفضلوا السير في درب النضال من أجل تحرير سورية حتى والدي أبى أن يبقى في المنزل وقبل استشهاد أخي تطوع للدفاع عن سورية قائلا لنا : كيف لي البقاء في القرية وأنا قادر على حمل السلاح .
مها عروسة الشهيد .. الدموع تملأ عينيها وهي تحمل صورة عريسها وتنظر إليها بحرقة ولتقول لنا بأن أحمد- رحمه الله -كان بالنسبة لها كل شيء في حياتها وبالأخص أنها يتيمة الأم فكان يعوضها عن حنان الأم بحبه الكبير لها وتضيف بأنه لن أنسى وداعه الأخير لي عندما وقفت على الطريق أراقب خطواته حتى ابتعد قليلا فوقف ينظر إلي ورفع يده لي وتابع سيره حتى اختفى .. الرحمة لروحه الطاهرة وقدس الله روحه وأرواح جميع الشهداء .
«وكما قال الرئيس بشار الأسد» بأن من يدافع عن الوطن الآن هم هذه الشريحة من الكادحين وأبناء العمال والفلاحين.. وهذه العائلة المقاومة هي خير مثال على قول السيد الرئيس وهي نموذج لعائلات كثيرة موجودة في محافظات سورية وقراها.