كان الأهالي ينقلون المياه ويصبونها في النبع لإعلان مجيء فصل الشتاء واستخدام مصطلح الزراعة البعلية هي امتداد لكلمة بعل، ثم جاءت الديانات السماوية لترسخ أهمية المياه، وفي دمشق تحديداً، سمحت طبوغرافية المكان بتوزيع مياه بردى على كافة المساجد وفي عام 1878م، وصف ابن جبير دمشق (حيث الظل الظليل والماء الوفير) فواحة دمشق تشهد حالياً تراجعاً واضحاً في كمية المياه بسبب الزيادة السكانية السريعة التي تضاعفت بشكل كبير فالمتجول في أسواق دمشق وخاصة في فصل الصيف قلما يشاهد سبيلاً للمياه، ما يثير التساؤل واستجابة للخطر الذي تواجه السبل في المدينة القديمة، تم إطلاق مشروع تعاون مشترك بين محافظة دمشق ومديرية المدينة القديمة وعدة جهات أخرى بهدف إنقاذ وإعادة دمج السبل في نسيج مدينة دمشق القديمة، السبل التي سيتم إعادة إحيائها ستزود سكان مدينة دمشق وزوارها بالماء وستكون شاهداً مباشراً على الإرث التاريخي والمعماري المتميز، منهج المشروع المتعدد الأوجه يهدف إلى ترميم وإعادة إحياء السبل، كذلك يهدف البرنامج إلى صيانتها وذلك على المدى الطويل، وخلال هذا المشروع ستتم إعادة إحياء فكرة تقديم الماء بالمجان وذلك بشكل دائم.
وقد خصص أسبوع من الفعاليات الثقافية لدعم إعادة إحياء السبل في مدينة دمشق القديمة، وقد تم حتى اليوم ترميم 4 سبل للمياه، ومؤخراً افتتح سبيل الورد الواقع في حي ساروجة بالتعاون مع المركز الثقافي الفرنسي في دمشق.
سبيل الورد يقع إلى الشرق من جامع الورد المملوكي (برسباي) وهو ذو طراز مميز مبني بمداميك متناوبة من الحجر الأبيض والأسود (الأبلق) ويتألف السبيل من ثلاث دخلات جدارية معقودة بأقواس مدببة يشغل الوسطى منها للأعلى فتحه شباك مغطى بمصبعات حديدية يوجد أسفله نقش كتابي لثلاثة بيوت من الشعر يؤرخ شطرها الأخير لبناء السبيل أو تجديده وهو 1258هـ الموافق لـ 1842م ويوجد أسفل النقش حلية مكونة من زخارف هندسية ونباتية بارزة يتوضع في أسفلها حوض ماء، أما الدخلتان الجانبيتان فأسفل كل منها حوض ماء بمستوى أعلى من الدخلة الوسطى، وتستمد الأحواض الثلاثة ماءها من طالع قريب، ويغلب الظن أن حوض الدخلة الوسطى كان مخصصاً لسقاية الحيوانات، يبرز أعلى الواجهة ثلاثة بروزات حجرية كانت مخصصة لحمل زخرف خشبي للحماية من العوامل الجوية.
وأيضاً من السبل المرممة في دمشق سبيل (تحت القناطر) ويقع هذا السبيل على امتداد سوق مدحت باشا بالواجهة الجنوبية لمسجد (تحت القناطر) وهو سبيل بسيط يتألف من فتحة جدارية قليلة العمق مغطاة بعقد ثلاثي يعلوه حلية زخرفية بشكل رأس حيواني محور مغطى بزخارف نباتية بارزة، يعلو ذلك كورنيش بارز والسبيل من الداخل خالٍ من الزخارف يتوسطه حوض من الرخام ويؤرخ هذا السبيل بنهاية القرن 13 هـ أي 19م.
وهناك سبيل (أبو الشامات) ويقع في القنوات جادة البلطجية مقابل دخلة زاوية أبو الشامات المشهورة، والسبيل ذو تكوين مميز عثماني متأخر الطراز وهو عبارة عن كتلة بارزة يتوسطها دخلة جدارية مبنية بحجارة سوداء وبيضاء يتقدمها عمودان مدمجان يرتكز عليهما عقد نصف دائري محلى بزخارف محززة يعلوه حلية قالبية بزخارف مشابهة، يلتصق بكلا العمودين للخارج دعامتين مستطيلتين تنتهي كل منهما بتاج ذي زخارف نباتية محورة ويعلو ذلك أفريز بداخله نقش كتابي ويؤرخ هذا السبيل في 1314هـ الموافق لـ 1896م.
بالإضافة إلى هذه السبل التي تم ترميمها سبيل (مكتب عنبر) ويقع ملاصقاً للباب الشرقي لمكتب عنبر حارة النرجس، وهو ذو تصميم معماري مميز يتكون من حنية جدارية معقودة بقوس مدبب مؤزز من الأعلى بشريط من الزخارف النباتية المحفورة على أرضية من الحجر الكلسي والسبيل من الداخل عميق يتوسطة من الأسفل فتحة مربعة يخرج منها الماء ليصب في حوض السبيل للأعلى نقش كتابي من سبعة أبيات شعر ويؤرخ هذا السبيل إلى 1216هـ أي 1801م.
إن دمشق تعني بالآرامية الدار المسقية فيجب المحافظة على المعنى القديم للمدينة.