الآن و في ذروة معاناة الاقتصاد العالمي, ينبثق قطاع وليد لم يكن معروفا من قبل.. إنه الاقتصاد الثقافي واقتصاد الإبداع. وهكذا سيصبح مزاولو المهن الثقافية والإبداعية اليوم عاملاً هاماً من عوامل النمو.
وستصب رؤوس الأموال القابعة في الأدمغة بديلا حقيقياً للحسابات المصرفية! وإلى جانب اعتباره عاملاً مهماً من عوامل النمو, يعتبر الاقتصاد الثقافي واقتصاد الإبداع محركاً يدفع إلى مزيد من الابتكارات. تعتبر ألمانيا في هذا المجال واحدة من الدول المنافسة على أن الصدارة في أوروبا ( حوالي 210000 شركة على أن يصل تعداد العاملين فيها إلى قرابة المليون، تنضوي اليوم تحت لواء قطاع الاقتصاد الثقافي واقتصاد الإبداع. وتصل عوائده ، وفق تقديرات وزارة الاقتصاد الألمانية، إلى ما يزيد على 125 مليار يورو سنويا، والأرقام في صعود ), ولكن ما المقصود بالاقتصاد الثقافي واقتصاد الإبداع؟ ومن هم الذين يحق لهم الانتساب إلى «طبقة المبدعين»؟
تتوزع عناصر اقتصاد الإبداع بين أحد عشر قطاعاً, تضم فيما تضمه: التصميم، صناعة الفيلم، الفنون المسرحية, دور النشر, الفن التشكيلي, الدعاية، العمارة، صناعة الألعاب، الأزياء ، الموسيقا، دور الصحافة, اقتصاد الإذاعة والتلفزيون. تعتبر أوروبا، إلى جانب أميركا الشمالية وآسيا، واحدة من البقع العالمية الثلاث الساخنة على صعيد اقتصاد الإبداع.
الصناعات الإبداعية
تناول عدد صادر عن سلسلة عالم المعرفة موضوع «الصناعات الابداعية». كيف تنتج الثقافة في عالم التكنولوجيا والعولمة؟ تحرير هارتلي, وترجمة بدر السيد سليمان الرفاعي.
تتصل أنشطة الصناعات الابداعية بتكنولوجيا المعلومات والانترنت, وحقوق النشر، والازياء وغيرها، و تنتشر في كثير من الانشطة الاخرى كالسياحة والنقل والشحن الجوي والطاقة والتأمين والتعليم والتجارة الالكترونية والخدمات البيئية وغير ذلك. ينطلق هذا الكتاب بجزأيه من الحاجة إلى مواجهة التحديات المفروضة في عالم يشكل فيه الإبداع والابتكار والمخاطرة حاجة عامة إلى المشروعات الاقتصادية والثقافية. يستشهدالكتاب بأهمية الصناعات الإبداعية, أنه في عام 2001 قدر صافي عائدات حقوق النشر الأميركية بـ791.2 بليون دولار أميركي، يعمل بها حوالي 8 ملايين عامل، ويبلغ إسهامها في الصادرات: 88.97 بليون دولار، أي ما يفوق صادرات السيارات والطائرات والصناعات الكيماوية والكمبيوتر.
من سيقود المجتمع الآن؟
- - إنها بطبيعة الحال طبقة جديدة تتفق مع قيادة الإبداع للاقتصاد، وهي طبقة من الفنانين والموسيقيين والعلماء،. وستنتقل طريقتهم في الحياة والعمل إلى الحياة الاقتصادية عامة، وسيؤدي ذلك إلى أشكال جديدة من الإدارة الذاتية والمساواة والعمل السريع الحاسم. وستتغير أيضا أساليب التعليم، إذ نحتاج أن نتعلم لنكون مبدعين، وثمة حاجة للتعليم الذاتي والمستمر المعتمد وغير المعتمد، وهذا يجعل المعلمين (بشروط) من الطبقة الإبداعية الجديدة. ومن الأهداف الجديدة للتعليم تطوير الملكات الأساسية كالقراءة والكتابة والحساب، والتصرف بمسؤولية تجاه الآخرين، والمبادرة والعمل الجماعي، والقدرة على مواصلة التعلم.
ماهي الصناعات الإبداعية؟
- - لا يزال الإبداع هو جوهر الثقافة، لكن طريقة إنتاج الإبداع وتوزيعه والاستمتاع به باتت مختلفة, ولعل تحول الصناعات الإبداعية إلى مصدر هائل للثروة، كان الحدث الأكثر أهمية, فالقيمة لم تعد تأتي من تصنيع الأشياء، وإنما من المعلومات (نظم تشغيل الحواسيب)، وانتقلت السيادة من شركات (مثل جنرال إلكتريك إلى أخرى مثل ميكروسوفت ) وتحولت المعلوماتية إلى التفاعلية والتواصلية، وأصبح الإبداع في هذه المرحلة أحد أصول السوق.
العالم الإبداعي
يوضح لورنس لسيغ كيف صممت شبكة الإنترنت بحيث يبقى التحكم في الشبكة بيد المستخدمين النهائيين لا بيد المركز، حتى تتسع قاعدة المشاركة في اختراع التكنولوجيا. ويلاحظ المفكر الاجتماعي كاستلز أنه كلما كانت المعرفة جزءاً مهماً من الاقتصاد, اتسعت الفجوة بين الغني والفقير، وفي بيئة كهذه فإن النجاح الاقتصادي يخفق في توفير تعليم وبيئة تزدهر فيها الأفكار الجيدة، ما يدعو للتساؤل عما يمكن القيام به للوصول إلى عالم إبداعي. هنا يقترح لسيغ أن يكون للحكومة دور في ضمان توفير بعض الفضاءات التي تتيح التواصل لأي فرد. يفرد الكتاب فصلاً حول الهويات الإبداعية, حيث يتفق المؤلفون على اختلاف وجهات نظرهم على أن الصناعات الإبداعية تقوم على الأفكار والموهبة والعمل الشخصي، وأن الصناعات الإبداعية أيا يكن تعريفها, تعتمد على هويات فردية، ويظل النمو والتنوع هو السياق الأكبر الذي تنمو وتزدهر فيه الصناعات الإبداعية نفسها.
ممارسات ومشروعات إبداعية
يتحدث الكتاب أيضاً عن تأثير التغير الثقافي والاقتصادي والتقني في الممارسات الإبداعية للأفراد والجماعات، وكيف تتحول صيغ الفن والجمال التقليدية, أمام بيئة ثقافية جديدة. تتميز الممارسة في الصناعات الإبداعية، بالتفاعلية والتهجين، والامتداد إلى مواقع, وأشكال جديدة من الإنتاج الثقافي، والاتجاه نحو تعددية الأنظمة, ووسائل ترويج متقاطعة للتوزيع، وارتباط الإبداع بالتجارة.
ويبقى القول: « إن الإبداع صفة إنسانية أساسية يجب تنميتها في كل الناس، وتوفير حرية التعليم والإبداع والمغامرة والنجاح والتساؤل والنضال والنمو، ونشر الإبداع بين كل الناس من كل المواقع والفئات الاقتصادية والأصول العرقية يمثل ضرورة للمصلحة العامة» .