تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


للريح

ملحق ثقافي
30/6/2009م
قصة: أدريانا إبراهيم

لم يكن يهمها أن تعرف من يوقظها كل صباح في نفس اللحظة، هل هو صياح الديكة، خوار البقرة، أم ساعتها البيولوجية.

ما يهمها هو أن تستيقظ في تمام الخامسة، تحلب بقرتها العزيزة، وتسبق الشمس إلى المراعي، لتجلب لها الحشيش.‏‏

لم تكن علاقتها ملتبسة مع البقرة، مكانتها تقبع في قلبها، في زاوية قريبة من حجرة أولادها، حيث حفرت وجوههم وأسماؤهم.‏‏

في ذاك الصباح كان نيسان قد ثبت قدميه المخضلتين عشباً، فرد ذراعيه المورقتين، واحتضن الكون من حولها، وهي كانت تحث الخطا إلى المراعي، يسبقها الحمار على بعد خطوتين، تلفحها النسائم وتتوه في أخاديد وجهها الأسمر. وصلت أرضاً لم يسبقها إليها سوى أصابع نيسان التي داعبتها بشغف فجن العشب فيها. ملأت صدرها برائحة العشب والأرض، انحنت تحش وقطرات الندى تتغلغل في شقوق يديها مطرية روحها، اختلط ندى العشب مع ندى الجبين، شعرت أنها ذابت مع الأرض والنسمات والحشائش، وانبثقت نحلة تجمع العشب رحيقاً سيعتمل في أتون بقرتها لينساب عسلاً أبيض فواحاً.‏‏

عندما جمعت ما يكفي وضعت كدسة الحشائش على ظهر الحمار، وعادت بعينين أكثر اخضراراً، وروح أكثر نقاء، تسبقها آمالها بتحسن الأحوال.‏‏

وضعت الحشيش أمام البقرة وانتظرت قدوم المساء بفارغ الصبر.‏‏

في الموعد المنتظر استسلمت البقرة لأصابع يديها الخشنتين، تعزفان فوق الضرع سيمفونية العطاء، فانسال ذاك العسل الأبيض لحناًَ أطربها، امتزجت الألحان مع رائحة الحليب، راح جبينها ينضح عرقاً وفرحاً، وأغدق الضرع مدراراً. أنهت معزوفتها فوق حلمات الضرع الأربع، ولأول مرة يمتلئ ذاك الوعاء الكبير، أرجعت ظهرها إلى الوراء، زفرت زفرة الخلاص، مسحت حبات العرق بظهر كفها، تأملت الكمية الكبيرة، وبامتنان بالغ قبلت البقرة.‏‏

في غفلة منها تحركت البقرة، تراجعت خطوة وداست في وعاء الحليب وكمية من الروث عالقة على حافرها. نظرت إلى البقرة، لم يتحرك قي داخلها سوى العتب، تأملت الحليب وقد تلوث بالروث، شعرت أن بإمكانها أن تبكي دموعاً بحجم تلك الكمية، حاولت أن تقنع نفسها، بالإمكان تصفية الحليب، أجل ستصفيه عشر مرات، وستغليه عشرين مرة، لا بأس لا بأس، ليست بالمشكلة. أخذت الوعاء، وضعته على المجلى، أحضرت المصفاة وهمت بسكب الحليب فيها، لكن غثياناً مفاجئاً عصف بأحشائها عندما طفا كل الروث على السطح، تأملت المشهد برهة، وبلحظة واحدة دفقت كل الحليب في المجلى وراحت تتأمل الدوامة التي امتصت بها البالوعة رحيق الحشائش، عرق جبينها، وآمالها البيضاء. تدحرجت الدموع حارة على خديها، مررت أصابعها ومسحتها، فاختلطت دموع العينين بدموع اليدين، وفي تلك اللحظة جاءها صوت البقرة معتذرة باااااااااااع.‏‏

تعليقات الزوار

فاطمة صالح صالح |  fatemasaleh@maktoob.com | 30/06/2009 15:46

قصة جميلة يا أدريانا.. كعادتك في كل ما تكتبين.. أرجو لكِ النجاح في كل مجالات الحياة.. ومباركٌ فوزكِ بالجائزة..

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية