فعلى صعيد التقانة فقد انهارت الحدود بين الوسائل التعبيرية لهذا الفن، حيث دخل الحفر المطبوع والنحت والخزف والصورة الضوئية والحاسوب على اللوحة وعلى المنحوتة أو المحفورة المطبوعة.. أما على صعيد التسويق فقد انهارت أيضاً قيم الفن التي نشأ عليها جيل الرواد وباتت سوق الفن التشكيلي المعاصر مفتوحة لمضاربات حقيقية ووهمية، وبعضها ينطوي على أسرار يعجز المتابع لهذا السوق وضع يده على الأسباب الحقيقية لما يجري من ارتفاع على أسعار اللوحات، وهو غالباً ما يكون ارتفاعاً جنونياً يجافيه المنطق أو على الأقل لا يستند على تجربة تؤهل صاحب هذه اللوحة أن يكون في هذا الموقع أو ذاك.
وما بين هذه المتغيرات التي شابت المشهد التشكيلي وما بين الأسعار الجنونية التي باتت عليها اللوحة، فإن أحداً لم يستطع توصيف هذه الحالة بما يجعل فهمها بسيطاً، والسبب باعتقادي يعود إلى أن المرجعيات التي أدت إلى ذلك هي من النوع العابر للدول وربما للقارات أيضاً، وهذا ما يدعونا إلى دراسة حركة الفن التشكيلي العالمي بأبعاده الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وكذلك مراقبة حركة رأس المال وخلفيات تموضعه في هذه السوق أو تلك.
ومن خلال تجربتي الشخصية، فقد تعرّضت منذ مدة إلى موقف حرج عند زيارتي لمرسم فنان تشكيلي شاب وهو خريج كلية الفنون الجميلة بدمشق. ما حدث هو أنه عند دخولي المرسم طلبت من الفنان أن يطلعني على لوحاته التي لم يسبق لي مشاهدتها من قبل، وكانت المفاجأة حين أشار لي إلى مجموعة من اللوحات التي اعتقدتها مجرد لوحات غير منجزة وما تزال عند مرحلة التأسيس. لكن الأغرب في الأمر أن هذا الشاب الذي أحدثكم عنه تتبناه صالة خاصة وتعرض لوحاته بأرقام فلكية بالنسبة لشاب في عمره وتجربته التي لم تتشكل ملامحها بعد؟!
وكذا الأمر بالنسبة للوحات بعض الفنانين التشكيليين التي يتم تسعيرها في المعارض بمبالغ كبيرة بالنسبة لسوق اللوحة المحلي والتي تصل إلى مليونين أو ثلاثة ملايين ليرة سورية وربما أكثر، في حين أنه يمكن لأي أحد منا أن يحصل على ذات اللوحة وفي مرسم الفنان ذاته بمبلغ مئة ألف ليرة وربما أقل من ذلك، وهذا ليس بدافع الكرم، وإنما لأن أحداً لن يدفع له أكثر من ذلك. والغريب أن هذه اللوحات المسعرة بهذه الأرقام الفلكية تجد من يقتنيها، لكن في الغالب، إن لم أقل دائماً، يبقى اسم المقتني لها مجهولاً.. وهذا هو السر الذي نبحث عنه دون أن نجد له جواباً.
ghazialali@yahoo.com