وصلت سياسة العقاب الجماعي ذروتها حتى قبل انتخابات المجلس التشريعي وفوز حماس حيث بات أكثر من 60% من ابناء الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة دون حد الفقر.
وعلى ضوء الحصار الحالي ووقف المساعدات الدولية تشير معلومات وكالة الغوث (أونروا) إلى أن جميع الفلسطينيين في الضفة من غير اللاجئين سوف يعيشون أوضاعاً أسوأ من أوضاع اللاجئين وأن وقوع كارثة إنسانية بات وشيكاً.
فقد وصلت السلطة الفلسطينية إلى انتخابات التشريعي وهي على حافة الانهيار, بسبب سياسة العقاب الجماعي التي تمارسها إسرائيل من جهة وبسبب الفساد من جهة ثانية.
والذي كانت إسرائيل تشجعه لابل كانت شريكاً فيه بحالات كثيرة وذلك من خلال الثغرات التي أتاحتها اتفاقية باريس الملحقة باتفاق أوسلو والتي تنظم العلاقة الاقتصادية والتجارية بين السلطة وإسرائيل خصوصاً فيما يتعلق بجباية الضرائب على الحواجز.
أما قرار الحصار الأخطر فكان قرار الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وقف المساعدات للسلطة الفلسطينية بالإضافة إلى تصريحات كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة, وبذلك تكون قد اكتملت حلقات الحصار وبات الواقع المعاشي الفلسطيني ينذر بوقوع كارثة إنسانية حتمية.
فإسرائيل التي أرادت أن تدفع عن نفسها المسؤولية عن حدوث تلك الكارثة الإنسانية وجدت ضالتها بنتائج انتخابات التشريعي الفلسطيني وما أفضت إليه من حكومة من لون واحد, فراحت تهيج الولايات المتحدة وتستحثها على ممارسة الضغط على أوروبا حيث استجابت الأخيرة مع الأسف لتلك الضغوط واتخذت تلك القرارات الجائرة على خلفية ما يسمونه ضرورة اعتراف الحكومة الجديدة بإسرائيل ونبذ العنف وتنفيذ الالتزامات المتعلقة بالمرحلة الأولى من خريطة الطريق.
شكلت تلك الاستجابة الدولية للضغوط الأميركية والمطالب الإسرائيلية فرصة بالنسبة لإسرائيل لتنزل عن كاهلها المسؤولية الاخلاقية والسياسية عن الكارثة الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني لتلقي بها على كاهل المجتمع الدولي لجهة احجامه عن الانفاق والعجز عن تنظيمه بعيداً عن الحكومة الجديدة, وعلى كاهل السلطة الفلسطينية ممثلة بحكومة حماس لجهة المسؤولية السياسية.
وبذلك عادت إسرائيل من جديد للعزف على وتر إسرائيل الضحية حيث أرادت أن توصل رسالة إلى العالم بأنها مجبرة على الخطوات التي اتخذتها والتي يمكن أن تتخذها وكأن حماس هي الدولة النووية وهي التي تملك أكبر ترسانة أسلحة في الشرق الأوسط وتريد أن تقضي على إسرائيل بالضربة القاضية وعلى العالم أن يسارع لإنقاذ تلك الضحية?! منطق يسير على رأسه ولكن للأسف هناك ظرف دولي يسمح بذلك.
إسرائيل بقرارها العودة إلى العمل بموجب قوانين الإدارة المدنية البائدة والبائسة دقت آخر مسمار بنعش اتفاق أوسلو الذي تجاوزته منذ العام 1998 عندما بدأت تعطل استحقاقاته إلى أن اتضح ما ترمي إليه من خلال كذبة باراك الكبرى التي رفضها الفلسطينيون في حينه وكانت الانتفاضة رد فعل طبيعياً على تعطيل إسرائيل للسلام العادل.
لكن إسرائىل اليوم تريد أن تدفع السلطة الفلسطينية إلى حل نفسها بنفسها فهي لم تقبل الشراكة مع الرئيس الراحل عرفات والذي كان الأكثر واقعية, وهذا السيناريو معد ومدروس مسبقاً وهو أحد الخيارات التي وضعتها إسرائيل قبل انتخابات التشريعي ما لم ترق لها نتائجها, وتلك الخطوة هي الخطوة الأولى على طريق دفع السلطة الفلسطينية إلى حل نفسها بنفسها عندما تجردها إسرائيل من كل الأسلحة والصلاحيات التي تتمتع بها بموجب الاتفاقيات المبرمة وتركها تتخبط واظهارها بمظهر العاجز عن تلبية احتياجات الشعب الفلسطيني وبالتالي ستفقد مبرر وجودها.