بشكل مبسط يكن القول إن تخصيب اليورانيوم هو عملية معقدة علمياً وتكنولوجياً تهدف إلى رفع نسبة نوع من اليورانيوم هو اليورانيوم 235 (البعض يسميه اليورانيوم النشط) في ذرة اليورانيوم الطبيعي, حيث تبلغ هذه النسبة بالأصل نحو 7.0% فقط.
من خلال عملية التخصيب يتم رفع تلك النسبة إلى مستويات تتراوح بين 1% و 30%, علماً أن بعض الدول كالولايات المتحدة الأميركية استطاعت تحقيق مستويات أعلى من ذلك بكثير, وفق النسبة المحققة يتم تقسيم اليورانيوم المخصب إلى قسمين يورانيوم متدني التخصيب ويورانيوم عالي التخصيب.
هناك استخدامان عمليان لليورانيوم المخصب حيث يستخدم اليورانيوم المتدني التخصيب وقوداً للمفاعلات النووية كما يستخدم اليورانيوم العالي التخصيب كمادة انشطارية للأسلحة النووية.لم تعلن إيران عن نوعية اليورانيوم المخصب الذي استطاعت إنتاجه ولكن سواء كان متدنياً أو عالي التخصيب فهو لا شك إنجاز علمي وتكنولوجي يحسب لها ويفتح أمامها الطريق لاستخدامه لتوليد الطاقة النووية أو لأغراض عسكرية.
ما أعلنه المسؤولون الإيرانيون مراراً هو أن تخصيب اليورانيوم لديهم يتم لأغراض سلمية أي لتوليد الطاقة الكهربائية عن طريق المفاعلات النووية, هذا يعني أن إيران ترغب في امتلاك المعرفة النووية وليس القنبلة النووية, علماً أن هنالك دولاً عديدة أخرى في العالم تقوم بتخصيب اليورانيوم وتستخدمه كوقود نووي فقط دون أن تحاول تطوير أسلحة نووية, ومن هذه الدول اليابان وألمانيا.
بعد ذلك نسأل ما مشروعية النزوع النووي الإيراني?
أ- مع انتصار الثورة الإسلامية عام 1979 واجهت إيران تهديداً خارجياً ثلاثي الأطراف:
- تهديد أميركي مصدره ضيق الولايات المتحدة بسقوط حليفها الرئيسي في منطقة الخليج شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي وقلقها على مصالحها الأمنية والنفطية.
- تهديد إسرائيلي مقرون بقدرة نووية ليست بعيدة كثيراً من الناحية الجغرافية عن الأراضي الإيرانية, حيث اعتبرت إسرائيل لأسباب أيديولوجية وجيوسياسية انتصار الثورة الإيرانية خطراً على مشروعها ودورها كقوة إقليمية عظمى وحيدة في المنطقة.
- تهديد ثالث مصدره الطرف الغربي للخليج العربي بلغ ذروته في الحرب العراقية الإيرانية (1980 - 1988) التي أشعلها النظام السابق في العراق بدعاوى واهية كمنع تصدير الثورة والحفاظ على الاستقرار الداخلي في دول منطقة الخليج.. وغير ذلك.
ب- مع تحول الهند وباكستان إلى دولتين نوويتين ربما شعرت إيران أن من حقها ومن واجبها امتلاك قدرات نووية خاصة, تحفظ التوازن وتعزز دورها التقليدي في منطقة آسيا, لأن في ذلك استجابة لطموحات مدعومة بحقائق التاريخ والجغرافيا لشرائح واسعة من الشعب الإيراني. إن إيران تجد نفسها مهددة بأمنها ومصدر طاقتها وطموحها لتحقيق إنجازات مهمة في مجال الاستخدام السلمي للمعرفة النووية, ما قادها للإصرار الذي نشهده اليوم لامتلاكها قدرات نووية, قوبل النزوع النووي الإيراني برفض من قبل الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي, وصل إلى درجة التهديد الأميركي باستخدام القوة العسكرية لمواجهته, التصريحات الغربية متباينة أحياناً لدرجة التناقض حول التعامل مع الملف النووي الإيراني, فبينما أعلنت وزيرة خارجية الولايات المتحدة رايس قبل أيام أن الخيار العسكري غير مستبعد, صرح في نفس الفترة تقريباً وزير خارجية إسبانيا أنه ليس هنالك مسؤول غربي يفكر حالياً باستخدام القوة العسكرية ضد إيران, هذا بالإضافة إلى العديد من التسريبات والمقالات الصحفية في وسائل الإعلام الغربية حول الموضوع, لكن أياً كانت النوايا الحقيقية لصناع القرار في الغرب خاصة في الولايات المتحدة فإن قراءة هادئة للمشهد السياسي الدولي والإقليمي تجعل شكلاً ما من أشكال العمل العسكري ضد إيران أمراً وارداً مع التوضيح:
بأن ذلك لا يعني تكرار السيناريو العراقي مع إيران.
-كما أن أي عمل عسكري ضد إيران ستكون له في الغالب نتائج مختلفة عن غزو العراق, فالقيادة الإيرانية ليست معزولة داخلياً كما كان النظام العراقي السابق وتملك قدرة لا يستهان بها على الرد من خلال إمكاناتها الذاتية.
هذه الحقائق وغيرها تجعل من الخيار العسكري ضد إيران أقرب إلى المغامرة أو المقامرة ومع ذلك يبقى احتمالاً قائماً فصناع القرار في الغرب ليسوا جميعاً من الحكماء, كما أن هناك عوامل عديدة تدفع للأخذ بخيار القوة منها:
- الأزمة الأميركية في العراق ما قد يشجع الولايات المتحدة للهروب إلى الأمام عن طريق مغامرة عسكرية ضد إيران تتوقع نجاحها بحكم حقائق القوة السائدة بين الطرفين (الأميركي والإيراني) يعيد للقوة الأميركية هيبتها التي فقدتها على الساحة العراقية.
- التحريض الإسرائيلي المستمر.
- الرفض الأوروبي لتنامي القدرة النووية الإيرانية.
ربما جادل البعض هنا بصعوبة الخيار العسكري بسبب الموقف الروسي والصيني الرافض له.. لكن بخبرة التجارب يمكن الاستنتاج أن كلا الموقفين مهم لخيار السلام لكنه غير حاسم في خيار الحرب.