المثاليات كثيرة ولا أسهل من تداولها وإسنادها إلى مواقف أو إلى أقوال مأثورة ولكن مثل هذا النمط لم يعد مجدياً في عالم يتبدّل كل لحظة وفي خضم ضخّ إعلامي لا ينقطع، وبالتالي فإن الانطلاق من مفردات الواقع هو ما يؤسس لحالة إيجابية في التعاطي مع مختلف القضايا التي تهمّ شبابنا على وجه التحديد ومنها مستقبل هؤلاء الشباب وماذا يخبّئ لهم وهل سيجدون أنفسهم في سوق العمل ويحققون ما درسوا من أجله سنوات طويلة أم أنّ الارتماء والاختباء خلف شماعة الأزمة سيستمر ليذهب بشبابنا وبأحلامهم إلى المجهول؟
أشرنا في مرّة سابقة إلى انتظار الآلاف من الشباب المسرّحين من خدمة العلم لأسباب مختلفة العودة إلى عملهم خاصة وأن هناك مرسوماً جمهورياً بهذا الصدد ولكن وبعد عشرة أشهر على هذا المرسوم لم يعد عمال الشركة العامة للإسمنت وفروعها في المحافظات إلى عملهم ومازالوا يسألوننا لماذا هذا التأخير؟
الإجراءات المتخذة رسمياً والقوانين الصادرة في السنوات الخمس الأخيرة كانت على مستوى الحدث وجاءت ملبيةً وموازية للحالة الوطنية ولكن المشكلة في ترجمتها على أرض الواقع، وفي فهم الجهات التنفيذية لهذه المكرمات، وبكل أسف فإن الكثير من التشريعات الصادرة أُفرغ من مضمونه بسبب فساد هنا أو قصور هناك و«راحت» فقط على المواطن العادي كما يقولون! على سبيل المثال فإن قرار رفع سعر الكهرباء ومهما حاولوا تجميله فالقسم الأكبر من أعبائه سيتحمله المواطن العادي يوجعه قلبه على الدولة يدفع فواتير تقصير بعض مؤسساتها إذ ما الذي يمنع التشدد بتطبيق القانون في محافظة آمنة كطرطوس مقابل أن تأخذ ما تستحقه وما يوازي ما تدفعه لقاء جميع الخدمات؟
نتحدث عن التغيير وعن ضرورة الاستفادة من خبرات الشباب وطاقاتهم وينسى بعض الذين يتحدثون عن هذا التغيير أنهم - أو من يدعمون - في مناصبهم منذ عقود!
يعيبون الآخرين ويأتون على مثل سلوكهم وأفعالهم (لا تنه عن خلق وتأتي بمثله.. عار عليك إن فعلتَ عظيم)!
عندما تتكرر معايشة مثل هذه التفاصيل السلبية نخشى أن تتحول إلى عرف وسلوك يؤثران بشكل أو بآخر بوعي شبابنا فتدخل هذه السلبيات في تكوينهم ويصبح من الصعب لاحقاً التخلّص منها، أما عندما يرى شبابنا أن هناك جهات تنفيذية تبتر هذه المخالفات والتجاوزات، وتؤكد بكل قوتها وثقلها على التوجهات العامة ومبدأ الفرص المتكافئة أو معيار الكفاءة وغير ذلك ويقتنعون بصحة هذه الإجراءات فسيأخذون منها شحنة إيجابية تزيد وعيهم الوطني وحرصهم على ما هو للدولة على عكس ما يحاول البعض الترويج له من أن «سرقة الدولة» حلال!