تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أوطان على كف عفريت.. وكل يغني على ليلاه

إضاءات
الأحد 24-1-2016
سلوى خليل الأمين

بئس هذا الزمن الذي لا يهدأ فيه الإنسان عن أذية أخيه الإنسان، وكأن هابيل وقابيل ما زالا على قيد الحياة، والأغرب ان الكل خاسر، فليس هناك من رابح بالمطلق، فمنهم من يخسر من مخزونه المالي ومنهم من يخسر من ثروات وطنه الطبيعية، ومنهم من يخسر مواطنيه ومنهم من يخسر في عمليات التطور والإنماء،

ومنهم الخاسر في نيل المعرفة أو التمتع برغد العيش أو بالصحة والعافية ، المهم أن هذا العالم في حالة غليان دائم، والكل في حلبة السباق، و(الشاطر) من يصل إلى الهدف المنشود، والهدف متغلغل بين السراب، حيث الرؤية ضبابية، والبصيرة مظلمة، والعقل متوارٍ ،والضمير مرتاح على أكف الجان، والأوطان مرتاحة أيضا على كفوف العفاريت، والكل يغني على ليلاه.‏

الصراع قائم.. والكل ينتظر النصر المظفر.. والخطوط العريضة حمراء وسوداء ومرسومة بالخط الأزرق.. والحدود مسورة بالأسلاك الشائكة.. وحدث ولا حرج عن إربكات بني البشر التي يرسمها القيمون على تلك الأوطان الغارقة لتاريخه في حروبها المتنقلة.‏

لقد سنوا القوانين الأممية بعد الحرب العالمية الثانية، ووضعوا الخرائط الجديدة، واتفق الكبار على الحصص، ولتاريخه يحظر على كل من لم ترسم له القمم التاريخية دورا يذكر، البقاء تحت السيطرة، والسيطرة تعني الالتزام بكل الأوامر والعمل على تنفيذها، أكانت معقولة أم لامعقولة، يعني أكانت مقبولة من الشعب المسكين الراضخ لجور الحكام أم غير مقبولة، فالتنفيذ أمر واجب الوجوب، والمعترض هو الخاسر على الدوام.‏

فماذا يعني أن تتدخل الولايات المتحدة الأميركية في حياة الشعوب التي تملك سيادتها واستقلالها ؟ وبأي معنى يحق لها فرض العقوبات إذا ما حادت إحدى الدول عن مشاريع الهيمنة العليا، المغلفة بالخضوع التام للصهيونية العالمية؟ وبأي حق تكبت الأفكار التحررية الآيلة إلى توعية الشعوب وبعث نهضتها وإرساء حضارتها المغلفة بالإبداع، الذي هو صنيعة الإنسان، الذي يمنح الفرصة للتطور والخلق والانتاج. وهنا ربما نلاحظ كم يبرع أبناء الوطن العربي في دول الغرب ومن ثم يتقهقرون في اوطانهم، وكيف تعطى لهم الفرص المناسبة خارج الوطن وتبعد عنهم في الوطن الأم! أليس هذا الفعل الحاذق بل المشؤوم الذي تم تدبير صياغته في ليل مجهول هو استعمار حقيقي ومصادرة لعقول أبناء الوطن ؟! من هنا، أليس من الواجب على كل دولة عربية أن تآخي شعبها من أجل التفكير مليا في المستقبل الذي يبنى حتما بعبقرية أبنائه الكفوئين والمخلصين ؟‏

فكم نتغنى في بلادنا العربية بشكل دائم بحضارة الغرب، فترانا حين نجول في بلادهم يشدنا الإعجاب بمظاهر النظافة أولا، ومن ثم بأهمية تطبيق القانون، وخضوع المواطن كل مواطن مهما علا شأنه او ارتفع شأوه إلى القانون لدرجة أن الجميع، من أعلى الهرم حتى أسفله، هم تحت القانون وليس فوقه، بعكس ما يجري في بلادنا من مخالفات قانونية فاقعة، فالكبتاغون يصبح منشطا إذا كان المهرب قريبا لأهل السلطة حتى لو كان من خارج الحدود ويشكل لهم أزمة معيشية، والسجن يصبح فندق بخمس نجوم لمن هم على صلات ودية بأهل السلطة، والمحاسبة على سرقة مال الدولة لا يطبق سوى على موظف بسيط، استاء من الحاجة المستمرة وضآلة راتبه المتوقف عن الصعود من عشرين عاما، فسولت له نفسه التشبه بما يفعله الكبار على عينك يا تاجر من سرقات مالية من خزينة الدولة ،دون أي حسيب أو رقيب. فالهدف عنده ليس بناء قصر أو اقتناء مجموعة سيارات حدث ولا حرج، بل كل المطلوب البقاء على جزء من كرامة امام اولاده المحتاجين ثمن الطعام والملبس والقسط المدرسي وثمن الكتب ومصروف الجيب اليومي وثمن الدواء والاستشفاء إذا ما داهمه المرض، املا بأن يصبح أولاده في يوم من الأيام من أصحاب المراتب العالية التي تجنبهم الفقر والعوز، تمثلاً بهؤلاء الذين يتصدرون المقامات في وطنه، على أمل أن يموت مرتاح الضمير إلى أنه أحسن تربية ابنه، حين استطاع تعليمه في المدارس المميزة، حتى لو كان فعله قائماً على سرقات بسيطة من مال الدولة، هدفها شريف وفعال، إنما نتائجها مصيبة كبرى، حين يتم اكتشاف الفعل الحرام، فتقوم القيامة ويلوح بالقانون ويزج الفاعل في السجن، ويترك بلا محاكمة إلى أن يأتي أجله وأجل عائلة علقت أمالها على وظيفته البسيطة التي جعلته سارقا بل مجرما، بفضل كبار في الوظيفة العامة جعلوه فاسدا دون أن يدري.‏

أوطان على كف عفريت..‏

وكل يغني على ليلاه‏

هكذا هو مسرى الحياة في بلادنا العربية للأسف، فالشاطر بشطارته، والقادر على السرقة والفساد وبيع الوطن والمتاجرة بدماء الأبرياء والعمالة للأجنبي، هي الثقافة السائدة اليوم، التي تحضنها تلك الدول الباغية، التي ما زالت تذر رمادها في عيون الأصحاء من أبناء هذه البلاد المصابة بعمى الألوان والبصائر.‏

يقال: (كما تكونون يولى عليكم)، كذب هذا القول الفارغ من مضمونه ومعناه ومبناه، فمن يتولى علينا هو من ترسمه دوائر القرار العالمي بشحطة قلم رئيسا أو ملكا أو أميرا أو سلطانا علينا، أما من تسول له نفسه الصمود والتصدي والنحو إلى الإصلاح والتغيير فهو المدان وهو اللامقبول، لأنه لم يتقن طيلة مسيرته اللعب على الحبال.. والغرف من خزائن ثروات النفط.. ومن مالية دولته العلية كي يبني القصور الفارهة ويستلذ بهناءة حياة مفرطة في رغد العيش، الذي لا يعرف دورات الفقر ومن أعلاها أو من سواها.. حين الله خلق البشر سواسية وحين المطلوب أن يكون الكل في الوطن على أحقية تامة في الوصول إلى المواقع أي كانت مهامها، حين إفرازات العقل المتنور تؤهل ممتلكها للمكان الذي من خلال تواجده فيه، يتقن العمل من أجل رفعة الوطن وتطوره.‏

للأسف، ما يحدث في لبنان حاليا من فراغ رئاسي دليل كبير على جهل من هم في السلطة بكيفية إدارة شؤون الوطن من حيث الحفاظ على الدستور الذي يقضي بانتخاب رئيس للجمهورية حسب القوانين والأعراف المرعية الإجراء.. وما يؤسف له أيضا هذه الارتجاجات الآتية من خلف الحدود، بالمراسلة أحيانا وعبر لقاءات خاطفة أحيانا اخرى، تسمم الأحلاف القائمة بسوء أخلاقيات سياسية لا تحسن قراءة المستجدات على الساحة العربية والعالمية وحتى اللبنانية، وبالتالي يهدف أصحابها كما عاداتهم السيئة والمرتهنة إلى زعزعة الوطن، وتركه في دائرة الخطر، نكاية بالجارة الشقيقة سورية وبحلفائها على الساحة اللبنانية، الذين لم يخضعوا لمشاربهم الاستعمارية القائمة على التحالف مع بني صهيون والسلطة الأميركية لتاريخه، بحيث لم يتوانوا عن وضع العراقيل تنفيذا لمآرب حلفائهم الأعراب والأتراك الذين خربوا سورية ولبنان والعراق واليمن وحتى تونس وليبيا وادخلوهم في حروب إرهابية غذوها ومولوها ونفذوها عبر ما سمي ثوراتهم النقالة المفتعلة والمزيفة.‏

حاليا يريدون أن يرسموا للبنان رئيسا للجمهورية على مقاسهم، وهذا ما يرفضه كل أهل المقاومة والإصلاح والتغيير في لبنان، لأنه ليس من المسموح العودة بالشعب اللبناني إلى الخلف، والخضوع من جديد لمن خربوا الوطن وتآمروا عليه وعلى ناسه ومقاومته، وعلى من طعن سورية في الظهر، وهي من أعلى مراتبهم ورتبهم حين جعلتهم في اعلى المواقع السياسية، وهنا ينطبق عليهم القول: وقد علمته نظم القوافي / ولما قال قافية هجاني.‏

إن لبنان ضلع من أضلاع سورية وبلاد الشام قاطبة، وتعافيه الخطوة الأولى في مسار التسوية السياسية المقبلة، لهذا من المفترض ان يكون رئيس جمهورية لبنان من المشهود لهم بالمواقف القوية والوطنية والقومية.. فمن شب في حضن المؤسسة العسكرية وتشهد له المقاومة في حماية ظهرها في حرب 2006، والسياسي الحذق والمرن في آن، المشهود له القوة في اتخاذ القرار الصائب، حيث الأمر يصب في الخانة الوطنية والقومية، حيث يقدم ولا يتأخر.. هو المطلوب لقيامة لبنان ولحفظ خاصرة سورية من النزف.. حين الكل حاليا يغني على ليلاه ولا يهمه من ترتيب موقع الرئاسة سوى خزائنه الخاوية حتى لو كان إغراء واهما لمن هم مطبوعون على الوفاء، الملتزمون كلمتهم الصادقة، حين ترفع الحقيقة راياتها وترسم الدرب بالتوافق المطلوب .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية