تلح هذه الأيام رغبة مجنونة في الهجرة إلى مكان ناء معزول عن العالم بلا حقائب ولا ذكريات.. هناك هجرة نفسية بالمعنى الشامل ولكنها تعبر عن مكنونات تتوفر لدى الشخص وحده.
هل هو هروب من شدة ما.. أم نوع من الاغتراب عن واقع لايرضى عنه الإنسان نتيجة عوامل اجتماعية أو عاطفية أو مالية السبب يكون ظاهره هكذا.. ولكن المضمون والمكنون يختلف عن ذلك.
فكم من فنان ومبدع آثر الانزواء على شاطئ بحر أو قمة تلة أو رابية ليتوفر له أن يكتب خواطر نزفة أو مرضية على حد سواء..
فالإبداع لا يأتي فقط بالتمرس بالحياة الاجتماعية والعملية ويمر من خلالها على آفات مجتمع بعينه.. إن كانت هناك معاناة على صعيد الفرد أو على صعيد المجتمع.
يختزن فيها هذا الكاتب أو الفنان كما من الخبرات والمعلومات ويبثها على واقعه أو لوحته شعرا أم كتابة يستشف فيها هواجس نفسه والآخر.. هذا النمط من الأشخاص يختلف عن النمط الهارب من زخمة الحياة والافكار.. فيكون التأثير هنا نفسيا بشدات تمر عليه ولا يستطيع استيعابها ويفضل الانزواء عن التواصل.. وهذا ما يسمى في الطب النفسي هبوطا في المزاج وعدم التأقلم لثغرة وعلة في سمات الشخصية أحيانا إن كانت موروثا أو مكتسبا, ويستمر في هذه الحالة ولا يعرف أين الحل ولكن برأيه الانزواء هو الحل ولكن ظروف هذه المشكلة تستمر وتكون برأيه غير قابلة للحل..
هنا وجبت المساعدة في تقييم حالته والوقوف على المؤثر أو الشدة التي ألمت به ولم يستطع تجاوزها بمساعدة اشخاص من عائلته أو تقييم هذه المشكلة لأنه لا يستطيع إلا أن يفكر بها وتأتي هنا المعايير الأخرى من استكمال تشخيصه بحالة الانعزال وهبوط مزاجه المستمر وقلة النوم واضطراب الشهية وفقد القدرة على العمل وإلى آخر هذا التقييم..
فكما قلنا تكون المساعدة الطبية هي الأساس في علاجه ودفعه نحو توازن نفسه وإعطائه الثقة لكي يضع نفسه في المكان الصحيح لا أن يهرب بمشكلاته وتجعله يسيطر عليه كليا, بهذا نقول في النمط الثاني وهو الرغبة المجنونة التي تلم بالإنسان أحيانا وتجعله يحلق وحيدا خارج السرب.. هل هذه الرغبة هي مجنونة فعلا أم هي إرادة ووعي كامل بأفكاره ورغبته في توارد افكار جديدة أو مبتكرة, يمشي على الشاطئ أحيانا وتصفو نفسه بنقاء وزرقة مياه البحر فتجعل النفس أكثر استقرارا ويحس بكينونة ونفسية ملؤها السعادة ويحلق الآخر عاليا على جبل أو تلة يكون أمام ناظريه خضرة وجبال تمكن أفكاره من السمو, وهنا يأتي الإبداع فيما ذكرنا نعم بلا حقائب ولا ذكريات تصفو النفس وتكون قادرة على حل مشكلاتها..