بل لوجود عدد كبير من البسطات التي صارت تضغط وتنافس أعداد المحلات في هذه الأسواق وفي أسلوب العرض الذي يضيف إلى السوق نكهة خاصة حيث ترتفع أصوات الباعة تنادي على الزبائن بعبارات خاصة جداً فيها الكثير من الطرافة والفكاهة والخصوصية حيث يقف البائع وسط مجموعة من العاملين لديه.
في حين يعرف كل من هؤلاء الدور المرسوم له بدقة, ومنهم من يضيف إلى هذه الجوقة الواسعة وأصوات جهاز تسجيل يشاركه الاعلان بصوته المرتفع عن البضاعة وسعرها فيثير الأمر فضول المارة وهم يشاهدون البائع يرفع قطعة ملابس ويقول (الله يباركله ب 200 ليرة) وبضاعتنا بالمحلات ب 500 يا بلاش.
والغريب أن هذه الاجواء لا تخلو من مفارقات غريبة إذ إن عيون الباعة والعاملين معهم تتوزع على امتداد السوق تراقب بالكثير من القلق دوريات الرقابة وعناصر شرطة البلدية وما إن يظهر هؤلاء حتى تسري اخبارهم كالشائعات فتنقلب السوق رأساً على عقب ويبدأ الباعة يجرون عرباتهم وبسطاتهم ويحزمون بضائعهم بسرعة كبيرة وينطلقون في جميع الاتجاهات لتضليل عناصر الدورية والفوز بزاوية مظلمة في إحدى الزواريب والحارات القريبة من السوق والبعيدة عن عيون الرقابة وأيديها.
وبعد مرور الغيمة الرقابية بسلام تبدأ الحركة المعاكسة ليعود حال السوق إلى ما كان عليه وربما أكثر اطمئناناً لدى باعة البسطات.
المفارقة أن عدداً من هؤلاء يجدون في وصول دوريات الرقابة حالة أكثر أماناً لديهم فتنفرج أساريرهم ويأخذون بإطلاق عبارات التشفي بالراكضين مع بضاعتهم إلى المساحات المظلمة, على مسمع من الدورية التي يبدأ عناصرها حديثاً حميمياً معهم يتناول أحوال السوق والأولاد وإلى ما هنالك.
ولا بأس من بعض الاشارات التي تخبر الدورية عن مقاصد الباعة المهرولين إلى المجهول.. الأمر الذي يطرح اسئلة حول سر هذه العلاقة الحميمة بين الطرفين.
أضف إلى ذلك خروج أصحاب المحلات لمراقبة ما ينجم عن المطاردة, والتأكيد على ضرورة منع البسطات من البيع أو التواجد في السوق النظامية.
لكن المواطن الزبون سرعان ما يكتشف أن لهؤلاء أيضاً بسطات خاصة بهم يجعلونها في مواقع مختلفة من السوق تحمل معها الكثير من البضائع المنسقة أو التي يكون فيها خلل غير ظاهر في التصنيع.. ولا بأس طالما أن هناك من يشتري بدون أن يفتش.
هذه الحالة ليست وحدها ما يزعج المشاهد لأن لأصحاب البسطات أيضاً ما يتحدثون عنه خاصة عن فرض أتاوات يومية يدفعونها, وهناك مبالغ تدفع لقاء اشغال الرصيف أمام محل أو مجموعة من المحلات, وهناك فروغية يدفعونها لبعضهم لقاء استخدام المحل أو المساحة التي تشغلها البسطة في السوق المزدحم.
مثل هذه الحالة تأخذ شكلاً أكثر رقياً في الأسواق الكبيرة مثل سوق الحميدية, وسوق مدحت باشا, وسوق النسوان, وسوق الصوف وغيرها في دمشق لأن قراراً منع تواجد مثل هذه البسطات فاختفت إلى حد كبير لكن أصحاب المحلات ابتكروا نوعاً جديداً من التسويق لمنتجاتهم ولمحتويات محلاتهم في هذه الأسواق حيث يتوزع عدد من الشباب على طول السوق يعرضون همساً في أذن المارة عن وجود ملابس وعباءات ومنسوجات مختلفة بأسعار مهاودة جداً ويزداد الهمس ويرتفع الصوت ليصل الموضوع إلى حد محاصرة المارة والزبائن والضغط عليهم في طريقة غير لائقة على الاطلاق تتمثل في متابعة الزبون المرتقب عدة أمتار على طول الطريق أو السوق.
ويزداد الأمر سوءاً عندما يحظى هؤلاء بسائح أجنبي أو عربي فتنهال العروض على رأسه وكأنهم يقدمون له فرصة لا يصح أن يجادل فيها.
المهم أن بعض هؤلاء يتبع مباشرة للمحلات وربما يعمل بها, وغيرهم يعملون لقاء اتعاب يتقاضونها على كل زبون.. وهكذا تكتمل الدائرة في هذه الأسواق طارحة المزيد من الاسئلة عن وجود واستمرار هذه الظاهرة وكيفية معالجتها.
***