في حربه على العراق ومزكياً خطة (تسوية مهمة) للعمليات العسكرية في العراق, حينما كان الرأس في البنتاغون كان يحرص وزير الدفاع المستقيل دونالد رامسفيلد على أن يبدو في صورة الرجل الحازم العازم والدؤوب, الثابت, بيد أن (وصيته السياسية) التي وجهها إلى الرئيس بوش تترك انطباعاً عن أن رامسفيلد ليس سوى رجل يائس فقد رشده موار بسبب العاصفة التي شارك في توجيهها إلى العراق.
وقد كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأسبوع الفائت عن مذكرة وجهها دونالد رامسفيلد إلى الرئيس بوش بتاريخ السادس من شهر تشرين الثاني المنصرم أي عشية إجراء الانتخابات النصفية الأميركية, وقبيل يومين من استقالته وتتضمن تلك المذكرة تقديم 21 خياراً للرئيس بوش من أجل الخروج من المأزق العراقي, وتلك الخيارات جاءت دون ترتيب أو تسلسل متسمة أحياناً بالتناقضات, فقد كان حريصاً على ذكر الأمور المحبذة من وجهة نظره ولا شك أن الرئيس بوش وحال قراءته لتلك المذكرة, سوف يسارع إلى اتخاذ قراره بوضع نهاية لعمل رامسفيلد كوزير للدفاع والذي ماثلت أخطاؤه الأرقام القياسية التي سجلها سلفه روبرت ماكنمارا خلال حرب فيتنام, وذلك لأن رسالته تحتوي بشكل خاص على القرائن والأدلة الراسخة عن فشله, وفي رسالته ثمة ايحاءات عن أشياء يعتقد أنه جرى تبنيها منذ زمن بعيد, وكذلك اضطراب واضح في الطريق الواجب السير فيه مستقبلاً, وكتب رامسفيلد (إن الوقت قد حان من وجهة نظري من أجل إجراء إصلاحات أساسية ملائمة, وبشكل واضح إن أداء الجيش الأميركي لغاية الآن في العراق, لا يسير بشكل حسن ولا بالسرعة المطلوبة).
وتحمل تلك الرسالة تفسيراً مسبقاً من قبل الرئيس بوش على إحلال روبرت غيتس بدلاً من رامسفيلد في وزارة الدفاع, وفيما تبقى من الرسالة تتضمن استرجاعاً لأفكار أثيرت على هامش المناقشات الجارية داخل لجنة بيكر, والذي من المرتقب أن يسلم تقريره إلى الرئيس خلال بضعة أيام قليلة, ويطرح رامسفيلد مسألة (تحديد معالم عمل) للحكومة العراقية من أجل طمأنة الرأي العام الأميركي ويقترح زيادة عدد المدربين في وحدات الجيش العراقي, واستقبال العراقيين في صفوف الجيش الأميركي, ويرى رامسفيلد بضرورة تجميع القوات الأميركية في العراق ضمن خمس قواعد بعيدة عن المدن لغاية عام ,2007 ويخلط زعيم البنتاغون السابق بين (انسحاب متواضع) أي خفض الملاك في صفوف القوات الخاصة المؤازرة من قبل وحدات لوجستية, وإعادة انتشار (القوات الرئيسية) على الحدود الإيرانية السورية, ويرى وجوب (معاقبة) المناطق التي تشهد تمرداً على الاحتلال من خلال تخصيص الأمن والأموال الأميركية للعراقيين المتعاونين.
وينصح رامسفيلد بأن يخضع الرئيس إلى استراتيجية جديدة (للتجربة) من أجل إعدادها جيداً, حتى لا تصبح (خاسرة), ومن بين الخيارات التي يعتبرها رامسفيلد (أقل إغراءً) هي وللغرابة الخيار الذي تقدم فيه وينص على نقل قسم كبير من القوات الأميركية إلى بغداد من أجل إحكام السيطرة عليها جيداً, وكذلك خيارات تضع جدولاً زمنياً للانسحاب أو تقسيم البلاد, والأكثر بلاغة هو أن مهندس الحرب ضد العراق يصنف مواصلة السير (على المنوال الحالي) بالأفكار السيئة, أو استبدال هذا الإجراء بإرسال تعزيزات ضخمة وفي النهاية, إن الانطباع السائد عقب قراءة الرسالة يقول :إن رامسفيلد لم يعد يبحث بعد عن نصر وإنما (خروج مشرف) وهو الخيار المستبعد من قبل الرئيس جورج بوش.