جعلت غالبيتهم يفقد دوافعه المعرفية واستبدالها بالبحث عن المهن حتى في الاختصاصات التي تكون فيها الجوانب المعرفية مهمة مثل العلوم الإنسانية والثقافية...
إن الشاب حاليا أيا كان نوع دراسته تبقى عينه على سوق العمل ومتطلباته....وباعتبار أن المسرح احد المجالات الثقافية التي تتطلب بعدا معرفيا يفترض أن يبدأ منذ دخول الطالب المعهد العالي للفنون المسرحية, فهل حقا يتمكن الطالب خلال سنوات تكوينه تلك من أن ينال المعرفة المطلوبة لدخوله هذا المجال وفي حال كان ينالها فهل هو مقتنع أساسا بدخول المجال المسرحي الذي أصبح بوجود التلفزيون لا طائل مادي يرجى من ورائه....
ولكي نطلع على الموضوع من خلال رؤية أصحاب الاختصاص كان لنا الوقفة التالية مع الدكتور عبد القادر منلا الأستاذ في المعهد العالي للفنون المسرحية...حيث أكد في البداية أنه في السابق كان يدخل الشباب المعهد العالي للفنون المسرحية لما يحتويه من جوانب ثقافية ومعرفية وحرفية بآن واحد ولكن مع تغير نمط سوق العمل وانحسار المد المسرحي وانحسار دوره كفعل ثقافي وانتشار الإنتاج التلفزيوني كبديل مهني وليس كبديل ثقافي فقد تحول الاهتمام من المسرح إلى التلفزيون وصار المعهد المسرحي هو الوسيلة لولوج عالم التلفزيون ما يفقد المؤسسة الأكاديمية دورها,الطالب الآن ومنذ دخوله إلى المعهد يدرك تماما أن مستقبله المهني مربوط بعجلة الإنتاج التلفزيوني,لذلك فالمعهد بالنسبة إليه ليس مرحلة تعليمية ولا مرحلة بناء ثقافي أو أكاديمي أو فكري بقدر ما هو وسيط لنيل الشهادة التي يمنحها المعهد لدخول السوق العملية,ولهذا الشباب الذين يدرسون اليوم في المعهد هم في حالة عداء مطلق مع المعلومة, لأن المعلومات ستكون بشكل أساسي معلومات مسرحية وهذا لن يلزمهم في سوق العمل...إنهم يهتمون بالنجاح في المعهد والتخرج منه بأية وسيلة حتى ولو كانت من دون حصيلة معرفية أو علمية...ورغم ابتعادهم عن المعلومة فان لديهم إحساساً بالاكتمال المعرفي وهذا الأمر نراه في مهن أخرى حيث لا يعترف أصحابها بقصورهم المعرفي...
يمكن للشباب أن يساهموا بشكل واسع في أي نشاط وفي أي إبداع ولكن ليس بالضرورة أن يكونوا قادرين على قيادة هذا الإبداع,وفي كثير من الأحيان عندما نتعامل مع الشاب على انه(وصل للقمة(فيتعامل هو مع نفسه على انه نهائي,فينتهي عنده السؤال بمعنى يمكن أن نقتل الشباب إذا أفهمناهم أنهم الأساس,لا بد من إعطائهم الثقة,ولا بد من الاعتماد عليهم,ولكن ليسوا كل شيء وغيرهم لا شيء..
وبسبب هذه النظرة الأخيرة من قبل بعض الشباب أصبحنا نعيش قطيعة كبيرة بين أصحاب المهنة الواحدة نظرا لتباين أعمارهم,وبوجود عدم احترام من الجيل الجديد للجيل الذي قبله,وكأننا مجرد موديلات سيارات...
الوقت الطويل الذي يقضيه الإنسان في الفن والفكر والإبداع يزيده نضوجا وخبرة خاصة إذا كان يلاحق كل التطورات ويتعامل معها...