بذريعة ارتكابه جرائم حرب في دارفور تدخل في إطار الحملة الأميركية- الغربية الشرسة لتقسيم السودان وضرب وحدته الجغرافية والوطنية وتهيئة الظروف المواتية للسيطرة على ثرواته ومقدراته, كما يمكن اعتبارها خطوة جديدة من الخطوات المرسومة لهذا البلد العربي في إطار الاستراتيجية الأميركية الهادفة لرسم خارطة المنطقة.
فاستهداف الرئيس البشير المشهود له بالحكمة والدراية والحرص على حل جميع المشكلات التي تعترض وحدة السودان ووحدة أبنائه, إلى جانب حرصه على حل جميع المشكلات التي تعاني منها القارة الإفريقية, يعني إدخال السودان في معترك من الفوضى والاقتتال الذي يفضي إلى التقسيم والتفكيك وخلق كيانات جديدة مرتبطة بالغرب, ومن يتابع مسيرة البشير خلال السنوات الماضية يجد أنه لم يأل جهداً لتوحيد البلاد وحل مشكلاتها من الجنوب إلى دارفور والدليل على ذلك توقيعه على اتفاقيتي نيفاشا وأبوجا, ما عكس مصداقية توجه الحكومة والقيادة السودانيتين نحو السلام, كما أن قبول السودان بوجود قوات سلام مختلطة لحفظ الأمن ومراقبة الوضع في الاقليم السوداني المتأزم يعطي دليلاً إضافياً على صحة وصدق مسعى البشير في إحلال السلام بين أبناء هذا الاقليم المضطرب على خلفيات قبلية لا سياسية.
ولا شك أن الزيارة التي قام بها البشير إلى دارفور أواخر الشهر الماضي والاحتفال الحاشد الذي أقيم لاستقباله من قبل أبناء الاقليم يعطي دليلاً دامغاً على أن ما نسب للرئيس البشير هو محض افتراء وأكاذيب لا أساس لها, إذ لم نشهد في تاريخ الصراعات أن متهماً بارتكاب جرائم إبادة استقبل من قبل ضحاياه بالحفاوة والتكريم, فعادة ما يتوارى مجرمو الحرب والمطاردون من قبل العدالة عن الأنظار ويتخفون ويتنكرون بأشكال مختلفة خوفاً من شعوبهم , كما حدث مؤخراً مع مجرم حرب البوسنة رداوفان كرادزيتش, في حين أن الرئيس السوداني الذي وحد السوادنيين خلفه نتيجة هذا الاتهام الباطل, هو الذي دعا جميع القوى والأحزاب السودانية من منبر دارفور للمشاركة في صنع السلام في الاقليم.
بطبيعة الحال ليس من الصعوبة بمكان اكتشاف هذا الخيط الرفيع الذي يربط بين اتهامات أوكامبو والاتهامات التي دأبت عليها الإدارة الأميركية طوال فترة الأزمة الدارفورية, والتي عكست نزعة استعمارية للتدخل في الشؤون الداخلية للسودان, وما حدث ويحدث في العراق وفلسطين ولبنان والصومال يعد ترجمة عملية للمخططات الأميركية التي تأخذ أشكالاً مختلفة ولكنها تتطابق من حيث سعيها لاستراتيجية طويلة الأمد تؤمن لواشنطن مصالحها الحيوية التي طالما سعت إليها بقوة السلاح والعربدة العسكرية, واليوم تأخذ طابعاً مختلفاً إذ إنها تستظل بمظلة العدالة الدولية لتستغل منظماتها ذات الصلة بغية تحقيق أهدافها ومطامعها الاستعمارية المشبوهة على حساب عذابات السودان وفقره.
وبالعودة إلى اتهامات أوكامبو فإنها لا تستند إلى أي أساس قانوني, كما أنها تتنافى مع مبادى القانون الدولي, إذ ليس لها أي دليل مادي باستثناء ما تردده الماكينة الإعلامية الأميركية من أكاذيب وافتراءات وحوادث مفبركة عن أعمال عنف وتهجير واغتصاب وإبادة, بالإضافة إلى أن اتهامات أوكامبو تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة الذي يشدد على مبدأ سيادة الدول على أراضيها وحقها في الدفاع عن ثرواته ومقدراتها الوطنية ضد الغزاة والطامعين , وعلاوة على ذلك فإنها تكرس مبدأ سيئاً في العلاقات الدولية وفي عمل المنظمات الدولية وهو الكيل بمكالين في تحقيق العدالة الدولية, الأولى بأوكامبو أن يسعى لاستصدار مذكرة اعتقال باسم الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير نظراً لما اقترفاه من جرائم موصوفة بحق مئات آلاف العراقيين بعد قيامهما باحتلال هذا البلد خارج الشرعية الدولية وخارج ميثاق الأمم المتحدة, ولا شك أن الجرائم الإسرائيلية المتواصلة بحق الفلسطينيين على مدى ستين عاماً تشكل ميداناً هاماً لعمل هذه المحكمة الدولية التي ترفض كل من إسرائيل والولايات المتحدة التصديق عليها خوفاً من الوقوع في قبضة عدالتها إن تحققت.