ولاتكف عن محاولاتها البائسة واليائسة لتشويه صورة المقاومة الباسلة التي استطاعت وخلال زمن قياسي, ليس فقط من تحريرمعظم أجزاء الأرض المحتلة, بل تمكنت بفضل حكمة وشجاعة قادتها أن تعيد جميع أسرى الوطن إلى أحضان عائلاتهم ووطنهم الذي انتظرهم طويلاً.
والمفارقة المؤلمة الأخرى منه وفي الوقت الذي يقيم فيه لبنان والعديد من البلدان العربية أعراس النصر احتفالاً بإنجاز تبادل الأسرى الأحياء منهم والشهداء.
يقوم البعض بالتشكيك بهذا النصر الكبير, وربما اعتبروا ما أنجزه حزب الله بوصفه قائد المقاومة وطليعتها المنظمة الواعية, ليس له تلك القيمة الإنسانية والأخلاقية التي يستحقها! وبدا المشهد السياسي متناقضا ً و أكثرية الشعب اللبناني الساحقة ومعه الشعوب العربية والصديقة وجميع الشرفاء في الأرض, يثمنون عالياً هذا الانجاز العظيم للمقاومة البطلة بينما هؤلاء السادة المتبجحون, وكأنهم أصيبوا بصدمة مزعجة وكآبة لاتختلف من حيث الصورة عن كآبه حكام إسرائيل الذين اعتبروا يوم تحرير الأسرى اللبنانيين والعرب, يوماً أسود وحزيناً بالنسبة لإسرائيل.
وأقل ما يقال إن الممتعضين من هذا الإنجاز الكبير, لم يدركوا تماماً أن المصالح الضيقة والحسابات الخاطئة لمجرى تطور الأحداث التي تشهدها المنطقة, أعمت عيونهم وعقولهم وجعلتهم يعتقدون أن المقاومة الوطنية البطلة ستوظف هذا الإنجاز لمصالح ما ليس لها مكان أصلاً في تفكير وأهداف حزب المقاومة وسيد المقاومة السيد حسن نصر الله, الذي أدرك بعمق أن القوة العسكرية والمادية لجيوش الاحتلال الصهيوني لايمكن أن تقهر إلا بقوة مماثلة, فالقوة المادية لايمكن أن تقابل إلا بقوة مادية تضاف إليها قوة إرادة المقاومة والتفاف الشعب حولها, وإذا تعاملت بعض القيادات السياسية مع انتصارات معسكر المقاومة بطريقة الفعل وردة الفعل, فإنها بذلك تكون, وهي كذلك, قد تجاهلت حقيقة وجود واستمرار المشروع الصهيوني العدواني في المنطقة وامتداداته الدولية, وما كان من الممكن توجيه ضربة قاسية ومؤلمة لهذا المشروع إلا عن طريقه المقاومة, وهذه الحقيقة ليست مقتصرة على بلد معين أو منطقة محددة, فخلال التاريخ الطويل للشعوب كانت هناك دائماً قوى المقاومة لجيوش الاحتلال, وكان أبناء الوطن الذي تعرض للعدوان والاحتلال يحتضنون مقاومتهم ويحافظون عليها كما يحافظون على حدقات عيونهم, لأنه وبالمقاومة وحدها يمكن دحر المعتدين وتحرير الأوطان وصيانة الكرامة الوطنية والإنسانية, ولهذا فقد شرعت القوانين الدولية المقاومة بكل أشكالها.
بل وأقرت هذه القوانين الدولية المقاومة بكل أشكالها, بل أقرت هذه القوانين مشروعية دعم المقاومة الوطنية مادياً وعسكرياً وسياسياً من أي جهة كانت لأن أهدافها مقدسة, تحريرية لوطنها المغتصب أو للأجزاء التي مازالت محتلة منه, وكل من يقف في وجه المقاومة, فهو بذلك يقدم خدمة مجانية لعدو وطنه شاء ذلك أم لم يشأ.
فالمقاومة اللبنانية التي هزمت العدو الصهيوني وحققت الانتصار في عام 2000 وفي عام ,2006 كللت انتصارها في تموز عام 2008 باستعادة الأسرى اللبنانيين وفي مقدمتهم عميد الأسرى العرب سمير قنطار, واستعادة جثامين الشهداء إلى أوطانهم الأم, هذا الانتصار الذي غير من معادلة الصراع العربي- الإسرائيلي- لصالح العرب وفتح الآفاق لاستعادة جميع الحقوق المغتصبة, التي تعتبر شرطاً رئيسياً لتوطيد السلام والأمن في الشرق الأوسط, وإنهاء حالة الحرب التي لم تتوقف منذ ستين عاماً وأكثر, إن قيمة المقاومة وإنجازاتها العظيمة أفرزت معطيات جديدة على أرض الواقع لايمكن لأحد أن يتجاهلها أولايأخذها بعين الاعتبار في سلوكه السياسي وقناعاته الفكرية, ولعل أبرز هذه المعطيات :
أولاً: أدخلت المقاومة قواعد جديدة لعملية الصراع العربي الإسرائيلي وبات أسلوبها الكفاحي أحد الدروس النظرية المهمة في الحروب المعاصرة قد تستفيد منها الكثير من البلدان المكافحة من أجل تحررها الوطني.
ثانياً: أثبتت المقاومة أن العدو الصهيوني يمكن أن يقهر وتلحق به الهزيمة إرادة وقوة هذه المقاومة, وانزال ضربات قاسية له في كل مكان بما في ذلك داخل العمق الإسرائيلي.
ثالثاً: استطاعت المقاومة أن تكشف حقيقة الكيان الصهيوني بوصفه كياناً هشاً لاتربط مستوطنيه الصهاينة بالأرض الفلسطينية أي جذور تاريخية, وفور شعوره بالخطر, فقد أبدى الكثيرون استعدادهم لترك هذا الكيان والهروب إلى بلدان أخرى, دون أن يكون لديه أي شعور بالحرص على هذا الكيان ولو انهار كلياً, وقد صدق البطل سمير القنطار بقوله:(إن جنود العدو الصهيوني أجبن من الجبناء وعندما يشعرون بقوة المقاومة يتركون كل شيء ويلوذون بالفرار.
رابعاً: أثبتت المقاومة أنها جزء أساسي من مكونات قوة لبنان وصلابته في وجه المحتل الإسرائيلي وتحقيق الانتصار على هذا العدو.
خامساً: استطاعت المقاومة بانتصاراتها العظيمة أن تفقد إسرائيل القدرة على فرض املاءاتها وشروطها على العرب, وبات الأمر على شكل آخر, فالمقاومة هي التي تتحكم باللعبة السياسية وتفرض شروطها وفق المصلحة الوطنية, لذلك رأينا إسرائيل كيف اضطرت للانسحاب من الجنوب اللبناني دون قيد أو شرط, وتوافق على صفقه تبادل الأسرى, دون أية شروط كانت دائماً تحاول فرضها على المفاوضين العرب.
سادساً: استطاعت المقاومة أن تثبت للعالم, أن ثقافة المقاومة ليست مقتصرة على بلد دون غيره, وهذه الثقافة هي التي تفرض نفسها على المحتل الأجنبي الغاصب إن كان في لبنان أوفلسطين أو العراق أو أي مكان آخر, وإن ثقافة المقاومة هي المعادل للحقيقي المناهض للمشروع الصهيوني الأميركي في المنطقة, وبات الصراع صراعاً على الحدود بل وصراع وجود مع هذا الكيان الغاصب الذي لايمكن أن يكون إلاكياناً مغتصباً وعدوانياً مهما أرغم على أن يبدو غير ذلك.