وخاصة في ضوء ما صدر عنه من تصريحات تقول بأن هذه الاتفاقية شر لابد منه, ويصف بها قادة حماس الذين أجرى حواراً معهم بشكل غير مباشر(بارهابيين متعطشين للدماء) وبذلك يفهم من تلك التصريحات بأن هذا الاتفاق لن يجلب السعادة, أو يحقق لأي طرف الفوز بجائزة نوبل, وإن كل ما حدث هو تحقيق فوائد مشتركة, واقرار من الطرفين بأن القوة لا يمكن لها أن تحقق النتائج المرجوة, وأن التهدئة قد كانت لها نتائج هامة تفوق ما أسفر عنه مؤتمر أنابوليس, نظراً لإحداثها تغييراً في العلاقات الإسرائيلية- الفلسطينية.
انقضت ثلاث سنوات على الانسحاب أحادي الجانب من غزة, وخمسة عشر عاماً على اتفاقية أوسلو, وأصبحت إسرائيل تواجه كياناً فلسطينياً مستقلاً له مؤسساته المدنية, وجهازه الأمني الخاص به, ويخلو من الجنود الإسرائيليين والمستوطنين, وأصبحت هناك إدارة تدير غزة بحيث لا يحتاج سكانها إلى اللجوء لمحكمة عليا أو منظمة )بتسليم(, وهناك قيادة فلسطينية يمكن الثقة بها ولديها القدرة لبسط النظام وفرضه بالقوة, وبذلك تشكلت بدايات يمكن بموجبها تحقيق الهدوء على الجانبين.
وفي كل الأحوال, فإن حماس التي تسيطر اليوم على غزة هي من وقَّع على الاتفاقية بالرغم من أنها لا تخفي عداءها وكرهها لإسرائيل ورفضها الاعتراف بها, ومع ذلك فقد وقعت عليها نتيجة للضغوط التي تعرضت لها وللحصار الطويل الأمد الذي جعل قادتها على قناعة بأن الضرورة تدعو إلى تحقيق الهدوء على الرغم من التوترات القائمة.
لا شك أن نتائج الصراع كانت كارثية للطرفين, فمنذ الانسحاب أحادي الجانب لغاية تاريخ التهدئة في غزة تم إطلاق أكثر من ألفي صاروخ وألف قذيفة هاون على إسرائيل, وكان من نتائجها مقتل 13 جندياً إسرائيلياً و 7 مدنيين, أما في الجانب الفلسطيني فقد قتل ما يزيد عن 1200 مواطن.
إن عملية التهدئة تماثل ما سبق وإن تم في الجانب اللبناني عام 2000 من اتفاق بين إيهود باراك وحسن نصر الله, والتي كانت تمثل الرغبة في فرض الهدوء على الحدود اللبنانية- الإسرائيلية ونبذ الأعمال العدائية بين الطرفين, وها هي حماس اليوم, وعلى الرغم من أنها لا تحول دون قيام منظمات أخرى بأعمال ضد إسرائيل, فقد استطاعت تأمين دخول الأغذية وتوفير الهدوء للسكان والاعتراف غير المباشر بدورها في تحقيق التهدئة.
ثمة أسباب تدعو للعمل على وقف إطلاق النار مع حماس وحزب الله وهي: أولهما الايديولوجية: إن إسرائيل ترغب بتحقيق علاقات طيبة مع جيرانها وثانيهما ادعاء النصر حيث يظهر التلفاز الاعتداد الكبير بالنفس لدى كل من حزب الله وحماس جراء ما تحقق من نتائج, الأمر الذي أثار حفيظة الإسرائيليين, لكني أقول دعوهم يسعدون بما حققوه, فعدو يشعر بالرضى مما فعله خير من جار يكن الحقد والعداء ويتربص لك, وأكبر مثل على ذلك أنه لم يحدث سلام مع مصر إلا بعد أن تذوق المصريون حلاوة النصر في يوم الغفران, بينما لم يتحقق السلام بعد الهزيمة التي لحقت بها في حرب الأيام الستة.
وهنا نتساءل من الرابح الحقيقي? يقول المحلل السياسي اليميني المعروف ياكوف ادميرور بشأن النصر على الإرهاب: )إننا لا نتوقع أن تستسلم المنظمات الإرهابية للهزيمة وتقبل باتفاقية على إثرها لأنها لا ترغب أن تعطي انطباعاً عما لحق بها, أما إذا حققت النصر فإن مستوى أدائها وعدائها سيأخذ بالانحسار(.
أيضاً تنامي القوة, إذ إن كلاً من حماس وحزب الله يبذل قصارى جهده في التدريب والسعي لتأمين شراء الصواريخ, في الوقت الذي تبدو فيه إسرائيل عاجزة عن تحجيم تلك التوجهات, كما أنه ليست لديها الرغبة في دفع باهظ الثمن لوقف تنامي تلك القدرات, الأمر الذي يدعوها إلى حشد إمكانياتها لتأمين قوة رادعة على غرار ما فعلته سورية عندما احتفظت بأسلحتها الكيماوية ولم تطلقها على إسرائيل.
وأخيراً الاستقرار:حيث حذر أولمرت من هشاشة اتفاقية وقف إطلاق النار, ومن احتمال كونها قصيرة الأمد, وعلينا أن نكون على ثقة بأن ما يحدث من عنف ليس بالضرورة هو نهاية للتهدئة, إذ إن ما حدث من عنف في شمال البلاد إبان الحرب الثانية على لبنان قد تلاه وقف لإطلاق النار, الأمر الذي يمكن أن يتحقق على غراره في الجنوب أيضاً.