على السياسة الدولية، وتعالي الأصوات في مناطق شتى من العالم من أجل تصحيح الخلل القائم في ميزان العلاقات الدولية، وهي تحاول جاهدة إعادة ترتيب خريطة الشرق الأوسط بما يتلاءم مع مصالحها مع التأكيد على ما يضمن تفوق إسرائيل وهيمنتها على دول المنطقة اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وتكنولوجياً لتبقى حارساً أميناً للمصالح الاميركية في هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم.
ومن أبرز الأمثلة على هذا التوجه لدى واشنطن هي الاستراتيجية التي أعلنها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن في كانون الثاني عام 2007 والتي قال في مستهلها إن هذه الاستراتيجية الجديدة ستغير مسار أميركا في العراق وتساعدنا على النجاح في الحرب على الإرهاب.
وأعلن بوش فيها بالإضافة إلى إرسال أكثر من 20 ألف جندي إلى العراق ان الولايات المتحدة ستنشر منظومات دفاعية جوية من نوع باتريوت لطمأنة اصدقائها وحلفائها، ولم يقدم اي ايضاح حول البلد او البلدان التي ستنشر فيها هذه الصواريخ، واكتفى بالقول انه ينوي العمل مع الحكومتين التركية والعراقية لمساعدتهما على حل المشاكل على طول حدودهما، مضيفاً: نعمل مع آخرين لمنع ايران من حيازة السلاح النووي والسيطرة على المنطقة.
وبعد دقائق على خطاب بوش الذي عرض فيه استراتيجية الفرصة الاخيرة لإنقاذ الوضع، رفض المسؤول الديمقراطي الثاني في مجلس الشيوخ ديك دوربن الخطة معتبرا ان الوقت حان لسحب القوات الاميركية من العراق وترك هذا البلد يجد وحده المخرج من الأزمة الحالية.
كما نددت السناتور الديمقراطية هيلاري كلينتون بـعدم الكفاءة والغطرسة في معرض تعليقها على استراتيجية بوش، مؤكدة انها لن تؤيد ارسال تعزيزات.وقالت: كما سبق وأكده جنرالاتنا مرارا ان العراق بحاجة الى حل سياسي وليس عسكريا فقط ولم نسمع مثل هذا الاقتراح في هذه الاستراتيجية.
في حين قال السناتور الجمهوري تشاك هاغل ان خطة بوش لإرسال جنود اضافيين الى العراق أكبر خطأ في السياسة الخارجية الاميركية منذ فيتنام.
ويقول خبراء السياسة والعلاقات الدولية إن الأساس الذي اعتمدته استراتيجية بوش في العراق تتبنى خطة لا علاقة لها بالاستراتيجية - كما حاول البيت الأبيض الايحاء بها- لأنها بدأت في شباط عام 2007، وأعلن بوش حينذاك عن خطة لإرسال أكثر من 20 ألف عسكري أميركي إلى العراق، وهذا يعني أن هناك ارتباكا كبيرا داخل الجيش الأميركي، خاصة إذا تذكرنا ان الخطة الاميركية الاولى وكما أعلن عنها البنتاغون قبل الحرب عام 2003، ان قوات المارينز ستنسحب من العراق خلال عدة أسابيع وتم الاعلان في نيسان عام 2003 ان جميع قوات المارينز التي انتشرت في العاصمة العراقية سيتم اعادتها الى الولايات المتحدة بنهاية أيار من نفس العام ، الا ان الذي حصل ان خرج قائد قوات المارينز بتصريح قلب جميع الموازين في 30 أيار 2003 قال فيه (لا عودة لأي جندي الى الولايات المتحدة من المارينز قبل وصول قوات بديلة)، ومنذ ذلك التاريخ لم يتطرق احد من المسؤولين الأميركيين إلى مسألة عودة جنود أميركيين من العراق، ولم يتحدث أحد عن استراتيجية بوش في العراق، حتى قفزت إلى الواجهة بقوة مطلع عام 2007، فهل كان بوش طوال السنوات السابقة للاستراتيجية دون استراتيجية، أم إنه كان يتخبط في وحل العراق، ولا يعرف كيف يخرج من هذا المستنقع العراقي الكبير؟
وكانت مجلة فورين بوليسي قد نشرت في شباط 2007 استطلاعا لخبراء السياسة الخارجية الأميركيين انتقد أغلبيتهم خطة بوش، وموقف هؤلاء جميعا من استراتيجية بوش لم يتوقف عند الحلول الترقيعية التي يحاول بوش التعاطي معها في العراق، وإنما استعادوا دوافع الغزو وأهدافه المعلنة، التي لم يتحقق منها شيء، فعلى صعيد المبررات فإن العالم تأكد من كذب ومزاعم أميركا بخصوص أسلحة الدمار الشامل العراقية، كما أن هدف غزو العراق الرامي إلى القضاء على الأخطار التي تهدد الأمن القومي الأميركي لم يتحقق منه شيء، وعلى الطرف الآخر يتواصل النزيف الأميركي الاقتصادي والبشري في العراق.
كما شككت وسائل الاعلام الاميركية الرئيسية حينها في الخطة، وشدد الكثير منها على ان الرئيس الاميركي سيواجه برلمانا يعارضه مع هيمنة الديمقراطيين ورأيا عاما رافضا لهذه الحرب في شكل واسع.