حيث أتت في سياق استعراض القوة العسكرية, وقد حملت في طياتها تهديدات خفية لايمكن التكهن بمدى خطورتها وامتداداتها على أمن واستقرار المنطقة، في وقت هي بأمس الحاجة فيه إلى حلول سياسية بعيدا عن لغة القوة.
ففي أواخر الشهر المنصرم طلبت تركيا من الدول الأعضاء في «الأطلسي» نشر صواريخ من طراز باتريوت على أراضيها. وفي محاولة للضحك على ذقون الشعب التركي ودول العالم قال أردوغان أن الهدف من نشر صواريخ باتريوت، على الحدود المشتركة بين تركيا وسورية، هو حماية الأراضي التركية، من أي هجمات خارجية محتملة, وأضاف في تصريحات له نقلتها صحيفة «حريت»، أن القوات المسلحة في بلاده، تعكف على تحديد أماكن نشر الصواريخ، بالتنسيق مع خبراء من حلف الشمال الأطلسي، «الناتو»، مؤكدا أن الأماكن لم تحدد بعد. كما رفض الإعلان عن أرقام محددة لعدد الصواريخ، أو حجم قوات الناتو التي ستقوم بنشرها، أو القوات الأمنية التي سترابط معها على الحدود، مؤكدا أنه وفق المادة الرابعة لميثاق الحلف، فإن حدود تركيا، هي حدود الحلف، ويتوجب الدفاع عنها.
وجواباً على الطلب التركي قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) أندرس فوغ راسموسن «إن الحلف سيتخذ قرارا بنشر صواريخ «باتريوت» في تركيا على الحدود مع سورية خلال أيام», معتبرا أن هذه الصواريخ «سلاح دفاعي بحت ولا يمكن استخدامه لتحقيق أهداف أخرى», كما أن نشرها على الحدود سيساهم في «تخفيض التوتر»، على حد تعبيره.
وقال وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو مؤخرا أن ردود الأفعال المنتقدة لطلب تركيا من (الناتو) نصب صواريخ «باتريوت» على حدودها مع سورية، غير مبررة، مؤكدا على أنه عند انتهاء التهديد الحالي في منطقة الحدود مع سورية، ستتم إعادة الصواريخ إلى البلاد التي جاءت منها.
وردأ على هذه المزاعم أكد عدد كبير من الخبراء العسكريين على امتداد دول العالم, أن نشر منظومة صواريخ باتريوت على الأراضي التركية تأتي بهدف التحريض على الحرب و تهيئة الأرضية المناسبة للتدخل العسكري في سورية وجر المنطقة إلى مزيد من عدم الاستقرار وتطبيق قواعد الاشتباك التي حددتها حكومة حزب العدالة والتنمية من قبل القوات الأجنبية بدلا من القوات التركية , هذا غير تأمين الدفاع الجوي للقواعد الأميركية في تركيا، وأن ادعاء الحكومة التركية بأن صواريخ باتريوت عبارة عن أسلحة دفاعية غير صحيح، وأن إقامتها على الأراضي التركية جاء بطلب من الولايات المتحدة الأميركية بالتنسيق مع الحكومة التركية التي أجبرتها واشنطن على تنفيذ أوامرها، لأن احتمال إسقاطها من الحكم وارد في حال عدم انصياعها.
كما وافق مجلس الوزراء الألماني مؤخراً على إرسال بطاريات صواريخ باتريوت و400 جندي إلى الحدود التركية السورية, وقررت هولندا ارسال بطاريتي صواريخ باتريوت إضافة إلى 360 جندياً كحد أقصى لتشغليهما, ومن المتوقع إكمال المخطط خلال أسابيع على حد زعمهم.
الولايات المتحدة هي المشجع الأكبر لهذه الخطوة, وهذا ما أجمع عليه مراقبون وباحثون, حيث أكدوا أن هذا المشروع جاء بضوء اخضر أمريكي بهدف خلق ما يعرف بمنطقة حظر الطيران فوق الأراضي السورية فضلاً عن تحقيق غايات مستقبلية ذات علاقة بطموحات وربما تخوفات تركيا من بعض الملفات الساخنة في المنطقة, كما قالوا إن واحداً من بين الشخصيات الأميركية المهمة (السيناتور جون مكين ) يؤكد على مكانة هذا الموضوع بالقول « إنني أؤيد نشر منظومة صواريخ الباتريوت هناك من اجل تعزيز منطقة حظر الطيران في سورية. لكن السيد « مكين» لم يكشف لنا إذا ما كان ذلك فعلا سيؤدي إلى إنهاء الأزمة , أم انه سيقود إلى كارثة حقيقية في المنطقة وفقاً لما حذرت منه روسيا بشكل خاص من ان مثل هذا الصدام قد يولد شرارة حرب شرسة لن يتوقف حريقها عند الحدود التركية – السورية كما يتوهم البعض , وإنما سيمتد إلى خارج نطاقها نحو مجالات مكانية أوسع و أكثر تعقيداً.
محللون أكدوا أن لعبة النار التي تلعبها الحكومة التركية في المنطقة هي جزء من المخططات الصهيو-أميركية، لا تخدم مصالح شعوب المنطقة بما فيها الشعب التركي الذي تحرك بعدما أدرك تهور حكومته الساعية لترسيخ الوجود الأميركي في المنطقة وتعزيزه من خلال فرض مشروعه الرامي لتقسيم دول المنطقة وتسهيل استهداف شعوبها ووضعها في دائرة اللهب، وليس كما تدعيه من حماية للأمن التركي.