تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


و.... الخنساء!

ارآء
الخميس 13-12-2012
 حنان درويش

وأذكر... في البلاطات القديمة المهووسة بانزياح الحكايات، كانت الأعناق في مهب الريح قرابين بكاء، بينما شهرزاد تطبق على بقايا كلوم تصهل بـ « تبدأ الحكاية يا مولاي» هناك وفي غلمة الليل تسمع امرأة الأساطير تلملم شغب الملك المعظم الذي يناور نفسه المتوفزة لأشهى الأقاصيص الغربية، وأشهى النحور المنتقاة.

وكانت شهرزاد!.. لها ابتكار الأحاديث الشغوف، المتجددة التي تغسل رتابة الليل، مثل عرافة تقرأ المقبل في طالع الرمل والحصى والحروف الخبيئة بين السطور... إنها الجارية الأخيرة في طابور الجواري اللواتي غرقن حتى رؤوسهن في بحور السيوف ولم يعرفن سوى الأنين مخرجاً لهن، أما المرايا فكانت شاهداً على عجز وقهر وصليل وحين جاءت أنثى الذكاء والمهارة والدهاء مدت إلى المجنون يداً من براعة، وقولاً يسمع القصص العجيبة التي لا تنتهي، لتنقذ الباقيات، والآلاف المؤلفة من أسرار النون، فيعلق شرك هذا الحرف بين مفرق التاج، ودرة الصولجان، لتصبح شهرزاد رفيقة الاندهاش في الليالي الطويلة، تجثو عند أطراف القطيفة المذهبة كقطة أتحفت الوقت بدفق أنثوي فاق حدود المواء.‏

تنشل الأفكار من بئرها السحيق وتصوغها أحلاماً تهز المكان، وعند الصباح تسكت عن الكلام المباح الذي حير صاحب الأمر، وغيب شيئاً من خصال البدائية فيه، وأحضر الاندهاش.‏

قرب نافذة الفجر كانت تسامره، تنسج السرد الرهيف غلالة احتفاء بقص ليس له نهاية، لترجئ الخواتيم إلى غد، أو بعد غد، حاملة معها أملاً جديداً يداوي الجراح، ويعتق القلوب المدماة من رقبة الجلاد، وينقذ ما تبقى من الرؤوس الجميلة التي تنتظر سطوة الاحتضار.‏

تلك كانت شهرزاد فاتحة النزوع لعالم أنثوي جديد طافح بـ( شهرزادات» جديدة، تجاوزت حال البوح الخفيض، إلى حال الصراخ نساء عظيمات أضحين وطناً وإبداعات ومشاريع مضيئة، لا صياح الديك يسكت صوتهن، ولا إدراك الصباح.‏

انهضي أيتها المرأة قوية... لا تتعثري.. ليس لك من الحياة إلى الكبرياء يحدوك إلى الارتقاء، أكبر فيك العزة ملاذاً وسنداً وحماية مهما قست عليك الأيام، ومهما ناوشتك الغربان.‏

إنك كما الشموخ تتربعين أميرة على عرشه، تمنحين الأبناء الهمة والصلابة، وتطعمين الأصالة خبزاً يومياً يزرع في العروق دم العروبة وحب الوطن، تقدمي... لا تتراجعي... دقي أجراس الآتي بين ناهضتين إلى مواجهة الريح، افتحي أبواب الحب وقولي: «يداي صليبي تحميان الدار» جودي، لاكما جاءت شهرزاد في البلاطات المهووسة بارتياح الحكايا، وبفاتحة الأماني:«تبدأ الحكاية يا مولاي... فأنت المرجعية يا سيدة النساء وأنت ، إن حاربوك فستبقين اسماً عربياً متعدد الأسماء: خديجة، أسماء، مريم، خولة، فاطمة، زينب.... والخنساء.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية