تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


« ابتكار أم ارتباك؟ »

معاً على الطريق
الخميس 13-12-2012
لينا كيلاني

حواسنا والتي هي نوافذنا في التواصل مع العالم الخارجي.. نفتحها مشرعة لاستقبال ما يحيط بنا. من تلك النوافذ يدخل ما يمتعنا ويسعدنا، أو ما يخيفنا ويتعسنا..

ونحن لا نستطيع إقفال نوافذنا هذه، وهي في الوقت ذاته أيضاً أجراس إنذار لنا مما يحيط بنا من أخطار.‏

ولو حرم أحد منا من واحدة من حواسه بمشيئة من الأقدار لتعاطفنا معه، وتأثرنا لما يفقده.‏

والفن.. هذا الأفق الجميل في حياتنا ألا يرتبط بحواسنا؟ بالطبع هو كذلك.. بل إنه الأكثر التصاقاً بها.. فالعين تستمتع، وكذلك السمع، وحتى مسام الجلد.. والتأثير بين هذا وذاك تبادلي تفاعلي فبقدر ما تبتهج الحواس يرتقي الفن.. وكلما ارتقى الفن وصعد في سلم الاكتمال انعكس ذلك إيجاباً في تنمية ذائقة الحواس، وهكذا.‏

ولكن.. ماذا لو ارتبكت حواسنا بما فيها تلك السادسة الغائبة الحاضرة ألن ينعكس ذلك علينا في تقييم الأشياء ومعرفتها على حقيقتها؟ هذا أكيد أيضاً.. فما بالنا إذاً بفنون حديثة، بل الأكثر حداثة، فنون أصبحت تقام لها المعارض والمتاحف، وهي تقوم أساساً على مبدأ هو ببساطة: (إرباك الحواس).. بهدف بث أفكار معينة تصل الى قناعاتنا، وعن طريق حواسنا متجاوزة حقائق الأشياء. فأحد المعارض الفنية في الغرب وهو يقوم على مبدأ إرباك الحواس يجعل زائره غير قادر على تحديد المعالم الحقيقية للصورة التي أمامه بعد أن تأثرت واحدة فقط من حواسه وهي (الشم) برائحة نفاذة اخترقت قناعة الزائر قبل أن تخترق شمه، فإذا بالبصر يُخدع بعد أن أُربك بواسطة الأنف.‏

يا لها من أساليب جديدة هذه التي بدأنا نعثر عليها، ونستخدمها في حياتنا سواء أكانت في الفن أم في غيره من جوانب الحياة وما أكثرها.. أساليب للتضليل أكثر منها للتأكيد.. نخدع فيها منافذ الروح حتى نصدق ما يراد لنا أن نصدقه.‏

وماذا بعد؟..‏

يقولون إن الجنون فنون.. فهل أصبحت الفنون ضرباً من الجنون؟ ربما.. لكن لمثل هذا الجنون تأثيره الذي ربما لا يعلن عن نفسه على المدى القريب فيما إذا توغلنا في هذا الاتجاه ونحن نضلل حواسنا.‏

لا أقول إنني أغلق حدود العقل على ما هو من المألوف في الفكر والفن لكن منطق الأشياء يفرض نفسه في تقييم هذا المألوف أو ذاك غير المألوف.. ولست بالطبع ضد الابتكار والتجديد إلا أن من الابتكار ما يشبه الطفرات التي نقف أمامها في احتمالات ربما لا حصر لها. فهل هو الفن للفن أم إنه الفن لأغراض أخرى كما التجارب التي نجريها في مخابر العلم والاكتشاف؟‏

أنا بالطبع لم أزر ذلك المتحف الفني الحديث، ولم أخض تلك التجربة، ولعلي وفرت على حواسي مغامرة ربما استعذبتها فأصبحت تبحث عنها في عوالم ترتبك فيها الحواس فتختلط بها الأشياء. ولكن إذا ما استذكرنا بعض متاحف العالم وما تحتويه من فنون (كلاسيكية)، وأخرى حديثة لوجدنا أن موضوعات تلك اللوحات تنضفر مع تاريخ الحقبات والمراحل الزمنية التي برزت فيها روائع الفنون في الرسم، أو في النحت، أو غيرها، وهذا بدوره يقودنا لنقف على عتبات التحليل والتفسير لما أصبحنا نراه الآن، وندرجه تحت مسميات الفن الحديث، وهو يحاكي بطريقة أو بأخرى مراحل التقدم العلمي الذي وصلنا اليه فما عادت موضوعات الطبيعة ذات أهمية بالقياس الى ما يستجد على ساحة الموضوعات التي يتناولها الفن عموماً في زمن العولمة، وثورة الاتصالات، واختراق الفضاء.‏

فهل إرباك الحواس هو من إفرازات هذه المرحلة التاريخية التي نعيشها ونحن نرتبك في استخدام التكنولوجيا سلباً أكثر منه إيجاباً؟ أظن أن الجواب الحاسم لن يكون الآن بل في قادم الأيام.. فما زال هناك من شعوب الأرض من لم يتخلص بعد من أميته الحضارية ليقرأ مفردات العصر، وهي تضيف الى سفرها جديداً كل يوم في سباق لا يربك الحواس فقط بل يحير العقول.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية