صدر البيان في عهد ولاية المفوض السامي الرابع لحقوق الإنسان وهي كندية.
الإشارة المتواضعة إلى حلف الفضول ليست منصفة بالكامل وينبغي العمل على تنقيحها وتوسيعها والأمر منوط بالعرب والمسلمين قبل غيرهم وهو واجب مثقفيهم وهم الذين استطاعوا إخراج الحلف من بطون الكتب ليصبح وثيقة من الوثائق الدولية لحقوق الإنسان وهو واجب حكوماتهم أيضاً لأن علينا ألا ننسى أن الأمم المتحدة إنما هي أساساً منظمة حكومية.
وأحسب أن من المفيد بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان في 10/12 من كل عام أن أقدم ما لدي من معلومات حول الكيفية التي وصل بها حلف الفضول إلى العالم ممثلاً بالأمم المتحدة عن طريق بيان المفوضية السامية آنفة الذكر.
انطلقت الخطوة الأولى من جريدة الثورة السورية ففي عددها يوم 21/1/1993 ظهر مقال يطالب مؤتمر حقوق الإنسان المقرر عقده في فينا حزيران 1993 بأن يشهد بأن حلف الفضول أول هيئة لتنظيم الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم إلى أن يثبت العكس.
أثار المقال ردود فعل إيجابية أهمها أنه حظي باهتمام اختصاصي بحقوق الإنسان هو الدكتور سامي الديب أبو ساحلية الفلسطيني السويسري البحاثة في المعهد السويسري للقانون المقارن وقد أفسح له مجالاً واسعاً في كتاب له بالفرنسية عنوانه المسلمون وحقوق الإنسان. ظهر الكتاب عام 1994.
كذلك جواباً عن رسالة مني ثمة رسالة مؤرخة في 5/2/1993 وردت إلي من الأمين العام للأمم المتحدة وهو آنذاك الدكتور بطرس بطرس غالي يرى بها أنه يحسن طرح الفكرة في مؤتمر فيينا.
ولدى إعلام السلطات السورية بالأمر تقرر سفري إلى فيينا للمشاركة في المؤتمر ضمن الوفد السوري إلا أن القرار ألغي قبل موعد السفر بساعات ولدي رواية طريفة جداً عن هذه الحادثة.
وفي الصعيد الدولي تم أوائل عام 1994 تعيين أول مفوض سام لحقوق الإنسان وهو السيد خوزيه ايلا لاسو من أميركا اللاتينية وجهت إليه في 17/2/1994 رسالة ضمنتها مقال جريدة الثورة واقتراحاً بعمل تقوم به المفوضية بدأت في السنوات الأخيرة الأخذ بتفرعات مما اقترحت.
أجابني المفوض السامي برسالة مؤرخة في 19/4/1993 نصها كما يلي:
علمت لدى وصولي إلى جنيف أول شهر نيسان برسالتكم إلي في 17/2/1994 وبالوثائق المرفقة لها:
أود أن أشكركم على تمنياتكم الطيبة بمناسبة تسميتي لمنصب المفوض السامي لشؤون حقوق الإنسان.
إن بحوثكم التاريخية عن حلف الفضول تشهد أن مبدأ الاحترام العالمي لحقوق الإنسان له جذور عميقة في مجمل تاريخ الإنسانية.
وأن حقوق الشخص الإنساني تتمتع بموضوع مركزي في الفلسفة الإنسانية للحضارات الكبرى وللديانات العالمية الكبرى.
خلفت السيدة ميري روبنسون رئيسة جمهورية ايرلندا السابقة السيد ايلا لاسو في عمله صيف عام 1997 خاطبتها برسالة في 18/7/1997 قلت فيها مايلي:
ولدي فكرة مستحقة علمياً وتاريخياً وعظيمة الفائدة عملياً في مجال نشر ثقافة حقوق الإنسان ضمن محيط الحضارة العربية- الاسلامية التي إليها أنتسب. هذه الفكرة هي اعتبار (حلف الفضول) الذي عقد في السنوات الأخيرة من القرن السادس الميلادي أول أو من أوائل التنظيمات المدنية للدفاع عن حقوق الإنسان واستمر حلف الفضول ذا هيبة أخلاقية وتنظيمية لمدة تزيد عن ثلثي القرن.
ورغم أن الحلف ولد قبل الإسلام فإنه حظي بمباركة النبي العربي محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) الذي أبطل كل أحلاف الجاهلية ما عداه.
هذه الفكرة التي أرفق بعض مراجع عنها قد تروق لكم وقد ترون الإشارة إليها سواء في اليوم العالمي لحقوق الإنسان هذا العام أو في البرامج التي تخططون لها بمناسبة الذكرى الخمسين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكلي ثقة أن الحفاوة بذكرى /1400/ سنة لحلف الفضول ستعطي العرب والمسلمين دفعة حماسة قوية لمزيد من الإقبال على ثقافة حقوق الإنسان.
لم تجبني السيدة روبنسون ثم شاءت الظروف أن أجتمع بها في مؤتمر عن حقوق الإنسان عقد في بيروت ساهمت به رئيساً لوفد سوري رسمي قبيل انعقاد المؤتمر أجرت معي جريدة السفير مقابلة عنه ونشرت يوم افتتاح المؤتمر، أبرزت الصحيفة حديثي عن حلف الفضول في عنوان المقابلة وبه معاتبتي للسيدة روبنسون. طلبت الاجتماع بي حضر الاجتماع معي في 5/3/2002 عضو الوفد الدبلوماسي تميم مدني. قالت إن الرسالة لم تصلها أظهرتها على إشعار بالوصول موقع من مكتبها، بعد أسابيع قليلة من اختتام المؤتمر وصلتني منها رسالة مطولة مؤرخة في 27/3/2002 أثبت هنا فقرتين منها:
«متابعة للقائنا في بيروت.. أود إعلامكم أنني قرأت باهتمام الوثائق التي تفضلتم فلفتم إليها انتباهي.
مثل هذا البحث التاريخي يساهم في الحوار بين الحضارات وفي بناء حضارة كونية مبنية على احترام حقوق الإنسان.
وفي 12/9/2002 تولى السيد سيرجيو دي ميلو مهام المفوضية السامية وهو برازيلي بدأ عمله في الأمم المتحدة منذ عام 1969، وجهت إلى السيد دي ميلو رسالة تهنئة ولاسيما أنني كنت مرشحاً لشغل المنصب حدثته في الرسالة عن حلف الفضول ثم نشرت في جريدة البعث (8/8/2002) تصوراً لمهام المفوض السامي الجديد وأرسلته إليه.
وشاءت الظروف أن أكون في جنيف أواخر تشرين الثاني 2002 بصفتي عضواً في مجموعة خبراء بشؤون المتحدرين من أصل افريقي استقبلني السيد دي ميلو صباح الثلاثاء 26/11/2002 لن أنسى دماثته حين بادرني بقوله: لولا أن حظي أفضل من حظك لكنت أنت الآن من يستقبلني في هذا المكتب.
شكرني على التهنئة والمقال واستوضح عن حلف الفضول ، أعطيته ما لدي وصلني في اليوم نفسه نص الخبر الذي نشره عن زيارتي له وقد ورد به عن الحلف مايلي:
« بحث الدكتور جبور مع المفوض السامي مسألة حقوق الإنسان في الأقطار العربية واستعاد بخاصة أطروحته التي تقول إن أبوية فكرة حقوق الإنسان إنما تعود إلى العرب الذين أنشؤوا في مكة حلف الفضول.
كذلك رأى الدكتور جبور أن ادراج فكرة حقوق الإنسان في التراث العربي أمر بالغ الأهمية وأن على الأنظمة العربية الاهتمام بحقوق الإنسان وأن احياء حلف الفضول يساعد بالتأكيد على دعم ثقافة العرب في حقوق الإنسان».
ثم إن السيد دي ميلو أصبح بعد غزو العراق في شباط 2003 مسؤول الأمم المتحدة هناك وبهذه الصفة الإضافية زار دمشق في آب 2003 قبيل اغتياله باسبوعين اتصل بي هاتفياً أثناء زيارته وذكر لي أنه سيشير إلى حلف الفضول في رسالته القادمة بمناسبة يوم حقوق الإنسان بعد أن أبلغه صديقاه الغسانان (والتعبير له) احترامهما لي وللفكرة أما الغسانان صديقاه فهما الدكتور غسان أرناؤوط المفكر السوري المقيم في جنيف والدكتور غسان سلامة وزير الثقافة اللبناني الأسبق ومعاونه في عمله في العراق إلا أن القدر عاجل دي ميلو قبل ذلك اليوم.
تولى مهام المفوضية السامية بالوكالة بعد وفاة دي ميلو نائبه إلا أنه لم يفز بخلافته خلفته كندية لا يحضرني اسمها وقت الكتابة وقد اشتهرت من خلال عملها في القضاء الجنائي الدولي حين قابلتها لأول مرة وحدثتها عن حلف الفضول كانت اجابتها ذات دلالة فاضحة قالت:
«ما موقف جامعة الدول العربية مما تدعو إليه؟ هل أصدرت الجامعة ما يشير اعتبارها الحلف أول هيئة لتنظيم الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم إلى أن يثبت العكس؟».
وكان في عداد اجاباتي سؤالها أن فقهاء حقوق الإنسان عندنا هم في الغالب من أسرى الغرب فكرياً فإذا لم يشهد الغرب- والأمم المتحدة رأسه- لحلف الفضول فلن تتملكهم شجاعة الشهادة له.
كنت في زيارتي لمبنى المفوضية السامية ألتقي دائماً بمسؤول البلاد العربية من حسن حظي وحظ حلف الفضول أن مسؤول البلاد العربية في عهد المفوض السامي الرابع (الكندية) كان مثقفاً من السودان هو الدكتور آدم عبد المولى لعله كان أول عربي يشغل هذا المنصب في نطاق المفوضية السامية تفهم الدكتور آدم فكرتي وتعاطف معها في 10/12/2007 صدر بيان المفوضية السامية وبه إشارة إلى الحلف في كلمات متواضعة في عام 2008 حدثني الدكتور آدم عن المناقشات الداخلية التي واكبت صدور البيان وعن دفاعه عن الفكرة وعن الانتصار الذي تحقق هو الآن المنسق العام لفعاليات الأمم المتحدة في دمشق هل يروي لنا ذكرياته عن تلك المناقشات وهو بيننا أم علينا أن ننتظر تقاعده- وهو ما يزال في شبابه الثاني ليكتب مذكراته؟
ويبقى سؤال أخير: هل ورد ذكر حلف الفضول مرة واحدة فقط في وثائق المفوضية هي بيضة ديك لم تتكرر؟ نعم في الأرجح وللحديث صلة عن واجب التنقيح والتوسيع وعن ذكريات في صحبة عقدين مع حلف الفضول.
رئيس الرابطة السورية للأمم المتحدة