تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


نحو ثقافة مجتمعية حول الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة

مجتمع
الثلاثاء 25-2-2014
فؤاد مسعد

بعضهم يصل إلى عتبة الانتحار ، وبعضهم يعيش حالة من الكآبة المفرطة التي تصل إلى مراحل نفسية وجسدية غاية في السوء .. إلا أن بعضهم الآخر يجد حلمه من خلال يد حانية تساعده وتكتشف عمق دواخله وحساسية مشاعره ،

هكذا هي حال الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ، ربما هي همسة عتب يشوبها الكثير من الألم يوجهها الكثير منهم إلى المجتمع ، قد يكون المسبب فيها هو أقرب الناس إليهم وقسوته في التعامل أو في الكلام ، وهي قسوة تأتي في غالبية الأحيان غير مقصودة ، لكنها تعكس جهلاً أو ارتباكاً في آلية التعامل عبر مفردات وردود أفعال تناسب الوضع القائم ، لذلك لا بد من مراعاة شعورهم حتى في أبسط الأمور ، كاختيار واستخدام الكلمات والألفاظ المناسبة البعيدة عن القسوة الجارحة للشعور (منغولي ، أعمى ، مشلول ، قزم ، أخرس ، أطرش ..) والتكلم وفق مصطلحات أخرى مثل (ذوو احتياج خاص) ، وهو مثال من مجموعة أمثلة لا بد من خلالها مراعاة مشاعر الآخرين والقدرة على التعامل معهم وفق آليات تراعي وضعهم النفسي والعضوي . فالعامل النفسي والحزن والاكتئاب يمكن أن يعانون منه نتيجة العزلة لأن المجتمع لا يتعامل معهم كما يجب (فهناك أهل يجدون في عزلهم عن المحيط الحل المناسب درءاً الفضيحة محتملة كما يعتقدون) إضافة إلى ذلك عدم وجود بيئة مجتمعية وخدمية تلائمهم ، فحتى عندما تجد على رصيف ممراً خاصاً لمن يحتاجون في تنقلاتهم إلى كرسي متحرك نرى أن سيارة تركن أمامه لأن مثل هؤلاء عادة يكونون في آخر سلم أولويات الأصحاء !..‏

لا يمكن لأحد أن ينكر مقدار ما يُقدم لهؤلاء ، ولكن في المقابل لا يمكن لأحد أن ينكر أيضاً أنهم بحاجة للمزيد من الاهتمام خاصة في ظل هذه الظروف التي تعصف بالبلد ، إن كان على مستوى الدمج أو مستوى التعامل مع احلامهم ، فلكل طاقاته وطموحاته التي يحاول ترجمتها بشكل أو بآخر وإن بشكل بسيط ، ولكن الفارق هنا بين من يجد من يقف إلى جانبه ويعزز له هذه الملكات ويشذبها ويطورها وبين من يتجاهلها فتوأد في مهدها . ومن هذا المنطلق جاءت أهمية تدريب المحيطين بهم والكوادر التي تتعامل معهم ، إن كانت التعليمية ، أو المشرفة عليهم وعلى حالتهم ، أو أهلهم والمقربين إليهم ، كما أن هناك حاجة ملحة إلى نشر التوعية بحقوقهم وتعزيز عملية الدمج بطريقة فعالة ، لأن هناك قناعة لدى الكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة مفادها أن (الإعاقة ليست بي وإنما في المجتمع الذي لا يؤمن لي احتياجاتي) . وضمن هذا الإطار مما لا شك فيه أن هناك مسؤولية تقع على المجتمع لاكتشاف ورعاية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ، كما يشترك في هذه المسؤولية الأطفال الآخرين الذين يستطيعون مد يد العون لهم ومساعدتهم على تجاوز إعاقاتهم وتفعيل وتحقيق دمجهم الكامل في المجتمع بما يؤدي إلى تأمين نمو طبيعي لهم وتحقيق إطار من الطمأنينة والأمان وبناء قدراتهم على الإبداع . كما ينبغي أن يتم توجيه الدعم بشكل أكبر للمطالبة بأمور تتعلق بهم ، إضافة إلى خلق البيئة المناسبة لهم ، وإعطائهم حقهم في الإعلام إن كان عبر تسليط الضوء على وضعهم ومتطلباتهم أو عبر المسلسلات الدرامية ليكون لهم حضور حقيقي (من لحم ودم) بنقل صورة واقعية حياتية عنهم بعيداً عن المبالغة أو السطحية . وهناك مسألة غاية في الأهمية ، فإلى جانب المطالبة بحقوقهم لا بد من المطالبة أولاً بحمايتهم من جميع أشكال العنف والتهميش والإهمال والاستغلال الجنسي واستخدامهم في التسول .‏

عموماً هي ثقافة مجتمعية ينبغي أن تأخذ دورها في التعميم لتكون واحدة من البديهيات اليومية لدى من لديه في العائلة حالة من حالات الإعاقة أو حتى من ليس لديه مثل هذه الحالة ، لأن (ذوي الاحتياجات الخاصة) أشخاص موجودون في المجتمع وقد نصادفهم في أي مكان ، والضرورة تحتم رفع حالة الوعي العام بين مختلف شرائح المجتمع ليكون هناك حد أدنى من المعرفة بآلية التعامل الصحيحة معهم . فعندما نقول أن الأطفال هم عماد المستقبل وهم قوة التغيير الإيجابي فيه لا يمكننا أن نُسقط من هذه العبارة (أطفال ذوي الاحتياجات الخاصة) وبالتالي علينا أن نغرس فيهم حب الحياة والسعي لتحدي الصعاب والنجاح ليستطيعوا أن يعيشوا ويكونوا فاعلين ضمن مجتمع تعصف من حوله التحولات .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية