تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الأطفال ومحنـــة الفقـــد والمـــوت

مجتمع
الثلاثاء 25-2-2014
رويدة عفوف

تعرض لنا الادبيات النفسية المتخصصة بأن الطفل يمثل في الحوار الانساني جانب التطور في مقابل التكيف فهو بحكم تحركه المستمر في اتجاه النمو يمثل التغيير والابداع والخروج عن المألوف والسائد،

وهو في المستقبل صورة التغيير لا من حيث خلاياه وتكوينه البيولوجي فحسب وإنما من تشكل سلوكه الجديد -القديم ، فهو في الوضع الطبيعي في بدايته غير المتميزة وغير المحددة فكريا. يستطيع ان يكون قزما ضئيلا لا في الطول او العرض او القوة او القدرات العضلية ، بل في التكوين النفسي وتتدخل البيئة في تغيير مجرى هذه الخطوط بان يكون قزما ضئيلا في سلوكه او عظيما كبيرا في تصرفاته الانسانية .‏

وترى دراسات علم نفس اضطرابات الاطفال ان الطفولة بصفة عامة تتحدد بفترة زمنية ضئيلة اذا ماقورنت بعمر الانسان إلا ان وزنها يفوق كمها المحدود من حيث التأثير ، هذا من جانب، ومن جانب آخر بين لنا التحليل النفسي بمكتشفاته الكبيرة اهمية الخبرات المبكرة في حياة الانسان وان تكوين شخصية الانسان تتحدد في السنوات الخمس الاولى .‏

هذا هو الوضع الطبيعي للطفل العادي ولكن نعرف دائما ان موقف الاسرة من الطفل وهو اساسا موقف الابوين الذي يتراوح بين القبول التام والرفض التام وبين هذا وذاك درجات تؤثر في الصحة النفسية عند الطفل، وما زال حديثنا عن وجود الابوين ، ولكن الاعظم والاكبر هو حين يفقد الطفل أحد أبويه ( موت الاب او موت الام) او كلاهما وهي الكارثة حينها لا تصبح ازمة في المفهوم الملطف لعلم نفس الطفل واضطراباته ولا هي محنة بالمفهوم التقليدي وانما احزان دائما تنشأ مع نمو الطفل وتنتج عنها عقد لا نهاية لها واحباطات مع صراع نفسي يهز كيان شخصيته تنتهي باضطرابات نفسية وعقلية لا حصر لها .‏

ان الأطفال الذين فقدوا الاب او الام بفعل الاحداث الجارية في سورية تركت آثارها واضحة لديهم في ابسط اساليب التعامل بفعل فقدان الاشباع النفسي والحنان في مراحل الطفولة،واليوم وعبر هذه الحرب المعلنة على سوريةوما نتج عنها من تهدم متعمد للنسيج الاجتماعي من الغرباء الذين دخلوا باسم الدين المتطرف أو السياسة المتشددة او الانتماءات الخارجية جعلت الطفل يفقد الآمان لانه استمد الخوف من اهله وتعلمه من نموذج امامه في البيت والشارع والمدرسة ان وجد لها سبيلا ، وازاء ذلك لم يتعلم المحبة ولا تقدير ذاته ولا الاحترام فلم يعد يبحث عن التفوق او النجاح او التسلية او الترفيه وانما لكي يستمر بالحياة مثل الكائنات الحية بدون قيم انسانية .‏

ان الايتام فقدوا احتياجات الاطفال النفسية ولو اردنا الاشارة الى هذه الاحتياجات لوجدناها ليست فطرية ولا غرائزية كما في الاحتياجات الجسمية ولكنها تظهر فقط اثناء تعامل الطفل مع افراد اسرته وكذلك تعامله مع بيئته ومجتمعه وليس هذا فحسب وانما احتياجات الطفل النفسية تتسم في انها اقل سيطرة والحاحاً من الجسمية ولكنها اعمق منها في الفعل والتأثير ومنها الأمن ، المحبة، الاحترام .. الخ .‏

فقد احد الابوين صاحبه الفقر والعوز والحاجة المادية مما زاد الهموم والاحزان احزانا اخرى حينما تلقي بظلالها الكئيبة على كل ابعاد الوجود النفسي والاجتماعي والاسري والمعاشي حيث يتجلى في العجز عن ايفاء متطلبات الطفل -اليتيم وتوفير لقمة العيش ومعها الحنان المفقود ،فلا اللقمة ولا الحنان،وبات اليتيم بعد ان فقد ابويه او احدهما بلا مظلة مثل الاقرباء او من يكون بديلا عنهما. مما يؤدي بالطفل اليتيم الى انخفاض وعجز ملحوظ بالجانب الانساني الذي يتعلمه الفرد من بيئته والذي سماها علماء الاجتماع وعلماء النفس الاجتماعي بعمليات التطبيع الانساني اي جعل السلوك الانساني انسانيا ، بدلا من ان يذهب الى سلوك الافتراس والعنف والمتمثل لدى البشر الذين لم يدجنوا بالتحضر ولم يتعرضوا لعمليات التطبيع الاجتماعي الى السلوك العدواني ،وفي المناطق التي تسيطر عليها المجموعات الإرهابية جندوا الأطفال خاصةالأيتام وجعلوهم يحملون السلاح إضافة للانتهاكات الجنسية بحقهم.‏

ان اليتيم الذي تتشكل شخصيته تحت ظروف الحصار ومن ثم ظروف العنف والقتل وسمات السلوك العدواني السائدة في عموم المجتمع انما تبنى بنيته العقلية والخلقية الاساسية بتجربة حزينة يغيب فيها البعد الانساني وتظهر فيها سمات اقل ما يمكن وصفها باضطرابات رئيسة مثل الذهان او العصاب او اضطرابات شخصية وهذه كلها مصحوبة باعراض تبلد ضد كل ماهو انساني وعاطفي لا يعرف صداه الا من خرج من دوامة العنف الى بيئة اخرى تختلف عن البيئة التي يعيشها ، فتبلد المشاعر تجاه الاخر والانطواء والانعزال والخوف من الآخر والشك فيه هي كلها سمات تنتاب شخصية الطفل الذي نشأ في ظروف الحرب القاهرة.‏

يقول علماء النفس ان العوامل المترسبة الداخلية في الذات تعد البوتقة التي يلتقي فيها الداخل مع الخارج وكل ما يحدث في الخارج له انعكاس في الداخل حتى يبدو أكثر وضوحا في تعامل الفرد وما يصدر عن ذاته .‏

أكثر ما تظهره لنا الدراسات النفسية المتخصصة ان الطفل اليتيم يتعرض لاختلال في التوازن بالوضع الطبيعي ينشأ لديه من لحظة احساسه بفقدان الأمن الذي يستمده من امه او ابيه وهذا الاختلال هو اساسا اختلال في قدرة الذات على التوفيق بين الداخل والخارج ، وبين العناصر المتصارعة في ذاته الطرية الغضة ، هذا الاختلال يأتي نتيجة لعوامل خارجة عنه لا تتعدى قدراته على التحكم في نفسه وخصوصا اذا طالت فترة الحرمان سواء كان حرمانا من الاشباعات المهمة مثل الابوة اوالامومة اوالأمان والاشباعات الاخرى المادية مثل الماكل والملبس والمسكن والتعليم وهي حاجات اساسية . وخلاصة القول انأطفالنا يعيشون في عالم شديد التعقيد سريع التغيير كثير الاحزان والالام يقتضي عملا دؤوبا وعاجلا لكي تقلل الالام ونجد علاجات نفسية وانسانية سريعة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية