تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بين عصرين..

الثلاثاء 25-2-2014
سعد القاسم

حينما رحل الباحث أكرم حسن العلبي عن دنيانا قبيل بداية العام الحالي، وصفه بعض من رثاه ب (مؤرخ دمشق) تقديراً لدوره الهام في تسليط الضوء على تاريخ المدينة اعتماداً على مؤلفات المعاصرين للفترات التاريخية التي تناولها، وفي مقدمتهم ابن طولون..

وإذا كان هذا التوصيف ينصف الراحل إلى حد ما، فإنه لا ينصف المدينة، ذلك أن مؤلفاته عنها لا تتعدى زمنياً الألف سنة تقريباً، وتتركز بشكل أساسي في مساحة زمنية أقل من ذلك بكثير،في حين أن تاريخ المدينة يمتد إلى نحو أحد عشر ألف سنة متواصلة، مما جعلها جديرة باعتبارها إحدى أقدم مدن العالم المأهولة، وأقدم عاصمة في التاريخ ظلت الحياة مستمرة فيها.. ومع ذلك فإن هذه الإشارة تقصد التذكير بثراء تاريخ المدينة، لا الانتقاص بحال من الأحوال من أهمية جهود الباحث أكرم حسن العلبي، فهو ملأ ثغرات عدة في التاريخ الطويل لدمشق بأبحاث تضم كماً كبيراً من المعلومات الهامة الضرورية لكل معني بتاريخها وأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في كل حقبة منه..‏

ترك الراحل للمكتبة العربية نحو عشرين كتاباً عنيت أساساً بتاريخ دمشق منذ منتصف العصر الأموي وحتى بدايات العصر العثماني، ومن هذه الكتب: «دمشق بين عصر المماليك والعثمانيين»، «تيمورلنك وحكايته مع دمشق»، «الخليفة المتوكل على الله جعفر»، «الوليد بن يزيد»، «الملك المعظم توران شاه الأيوبي»، «دمشق الشام»، «تاريخ البصروي»، «خطط دمشق»...إضافة إلى تحقيقه لكتاب «يوميات شامية» عام 1994 . وأسم الكتاب الأصلي «الحوادث اليومية من تاريخ أحد عشر وألف ومية» وهو من أثمن كتب اليوميات وأندرها، وقد ألفه شيخ الطريقة الخلوتية بدمشق (محمد بن كَنّان الصالحي) بصيغة يوميات تغطي الفترة منذ سنة 1111هـ حتى وفاته سنة 1153هـ، وهي السنة التي وصلها البديري الحلاق بكتابه «حوادث دمشق اليومية» منذ سنة 1154 وحتى سنة 1176هـ. وقد اعتمد الأستاذ أكرم حسن العلبي، على صورة قدمها له د. أحمد إيبش عن النسخة اليتيمة التي تحتفظ بها مكتبة برلين وساهم بقسط كبير في تنسيق أوراقها وترتيبها، و شرح الكلمات التركية الورادة فيها. كما قدم للكتاب بمقدمة مطولة، عن دمشق في تلك الحقبة، أماط فيها اللثام عما ورد في الكتاب من ألقاب ومصطلحات..‏

غير أن واحداً من هذه الكتب يحظى - برأيي- بأهمية خاصة ، وهو كتاب «دمشق بين عصر المماليك والعثمانيين» الذي صدرت طبعته الأولى علم 1982 (ولا أعرف إن صدرت منه طبعات تالية!!).فهذا الكتاب – الدراسة الذي نال المؤلف بموجبه درجة الماجستير في الدراسات التاريخية من جامعة «عين شمس» بالقاهرة يتطرق إلى مرحلة بالغة الأهمية من تاريخ دمشق والمنطقة، ويقدم بشكل غير مباشر رأيه الدقيق في أوجه الالتقاء والاختلاف بين الحكمين المملوكي والعثماني، من خلال عرض حال المجتمع السوري خلال العصرين، وقد يكون أهم أوجه الالتقاء أنه في المرتين كان الحكام من غير أهل البلاد( وربما لهذا السبب سعيا إلى إثارة النزعات الطائفية والمذهبية بين السكان الأصليين)،أما أهم أوجه الاختلاف فهو في الانتماء السياسي للمماليك إلى المنطقة العربية (مصر والشام) ودفاعهم عنها ضد التتار والفرنجة، فكانت عاصمة دولتهم القاهرة ودمشق.فيما كانت عاصمة العثمانيين خارج البلاد العربية للمرة الأولى منذ تأسيس دولة الإسلام في عهد النبي (ص)..‏

الكتاب يثير كثيراً من الأفكار، وخاصة في اقتباساته لنصوص تاريخية وضعت بتأثير توجهات الحكم والحكام في المراحل العائدة لها،ويقدم كماً مدهشاً من المعلومات التفصيلية عن شكل الإدارة وأوجه الحياة.وهو يقع في خمسمئة وست وثلاثين صفحة من القطع الكبير مقسمة إلى ثمانية فصول وعدة ملاحق..‏

ذكرت التفاصيل الأخيرة لأورد ملاحظة على الهامش بأني قد اقتنيت هذا الكتاب من معرض مكتبة الأسد عام 1987 بمبلغ خمس وسبعين ليرة فقط لاغير ..قبل الحسم..وأترك التعليق لكم..‏

www.facebook.com/saad.alkassem

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية