|
في معرضه.. الفنان التشكيلي وليد محمود.. يغـرس نخيــلاً وســندياناً ســورياً فـي بيـروت ثقافة و..ليشكّل اختلافاً ما، عمن في الساحة، ومن ثمّ يبني عمارته الجمالية المفارقة، ساعياً بلا هوادة لإيقاظ الحجر من سباته. هذا ما سنلمسه في معرضه الذي يٌقيمه هذه الأيام في صالة الأكواريم في بيروت وكانت «الثورة» قد اطلعت على هذه الأعمال قبل سفرها إلى لبنان الشقيق. بدعوةٍ من التجمع الوطني للثقافة والبيئة والتراث، ويستمر المعرض حتى تاريخ الثالث من شهر آذار القادم. و..ثمة أساليب أخرى يشتغل عليها لتزيد في مجال المفارقة، حتى لا يبقى في إطار المحترف والمشغل ذاته الذي أصبغ على الكثير من التجارب التشكيلية بذات الملامح، فكان أن ابتعد عن الحجر اللين، والسهل، كما هرب من خشب أشجار بذاتها، وعن تقليد الطبيعة التي فاقت مقدرة أي نحات مهما عظمت إمكانياته - كما يرى- ثم كان أن نحت ما لا قد يخطر على بال أي نحات، وهو الصوت، الصوت الذي يضيع أثره بعد حينٍ قليل من الثواني، استطاع وليد محمود أن يلقي القبض على بعض الأصوات تحديداً، متلبسةً بتكاوين وأبعاد و..كتلة. بكامل الفطرية يُشكّل وليد محمود أعماله النحتية بكامل الفطرية مرةً، و..مرة أخرى بمنتهى العفوية، لكنهما الفطرية والعفوية بمزاج خاص لدى هذا الفنان، وهي أن لا يقلد أحداً، ولا يستطيع أحد تقليده مهما تأثر به، هذه الفطرية تأتي كحالة لا تخضع لقانون، و..قادمة من أكثر من مرجعية، فإضافة لعدم الدراسة الأكاديمية، انطلق محمود أيضاً دون ريادة المعارض التشكيلية، أو حتى الاطلاع على الحركة الفنية سواء المحلية أو العالمية، و..كان نحاته الأول والوحيد الذي تأثر به هو «جده» ذلك الجد الذي أودعه ذاكرة مفعمة بتنويعات من الميثولوجيا، والنحات الفطري كما يقول لا يعني أنه غير أكاديمي، ولكن النحات الفطري خارج سرب المتعارف عليه. في أعماله النحتية ثمة انجدال يٌقيمه وليد محمود بين خامة المنحوتة، و..بين تكثيف لحالة أنثوية، هذا الإنجدال الذي يظهر في أكثر من تشابك، أو تقاطع مع المرأة بقسوتها وحنانها وهشاشتها، و..ما تدعيه من ضعف بالوقت ذاته، وبين الحجر القاسي والصارم، ولكنه الهش الذي يلين بعد عدد من «الضربات» بين يدي خبير، وربما من هنا كان تركيزه في الشغل النحتي على أمرين: شيء من صرامة الهندسة في بعض حواف المنحوتة، والذي يتجاور مع الالتفاف الحاني الذي يصرّ عليه في كل شغله النحتي، أو يأخذ من كل هذه المسائل اختصاراتها، من هنا فمنحوتة وليد محمود تظهر على التخوم بين التجريد، وبين الإيغال بعض الشيء في التجسيد، الأمر الذي يُشحن العمل النحتي بطاقةٍ تعبيرية عالية، تبرز مقداراً كبيراً من الجمال، وهذا التعالق بين التشخيص والتجريد، وتحميل الحالات الإنسانية التي هي تحديداً حالات أنثوية، كان أن خفف إلى حدٍّ كبير من صلابة المادة الخام التي يذهب إليها عمداً، وله أسبابه وغاياته في ذلك، ومن إخراجها من أن تكون مادة صماء لا روح فيها، وذلك إلى درجةٍ بعيدة، أي انه استطاع أن يُحمّل الحجر وحتى الخشب الكثير من التأويلات والقراءات لاسيما في إشاراته الأنثوية التي جاءت تلميحاً واختصاراً حيناً، أو بكامل التجلي لجسد المرأة طوراً، كتكور، وحركات الأجنحة، والدائرة، كل ذلك خلّص المادة الخام من الحالة «الصُميّة» والصنمية إن صحّ التعبير، ثم هذه النعومة المخادعة والملتبسة للمادة الخام التي تُغلف الكثير من القسوة، ومن الاشتغال على تقاطعها مع حالات المرأة من تناقضات غريبة لهذا الكائن، فكان أن قدم حالات أقرب إلى الشعرية القائمة على الكثير من الفن. مشحونة بالانفعال أعمال نحتية مشحونة بالانفعال والعاطفة، لكنها أيضاً العاطفة المواربة التي لا تفصح عن نفسها تماماً، وأنما تأتي كأطياف وملامح واختصارات، فن يُحاكي الجسد والروح معاً، يساعده في ذلك إيقاعات من الحركة والثبات، وهذه من جملة ثنائيات تعلن عن نفسها في أعمال الفنان وليد محمود، حركة وثبات على قدر كبير من الحياء واللمسة الناعمة مرةً، و..مرة تأتي بكامل جنون الفن ومغامرته..هذه الحركة التي تجلت بالاشتغال على جماليات الأجنحة حيناً، وبالخطوط الملتفة حيناً آخر، و..بالإفصاح المستتر على بعض ملامح جسد المرأة، وفي الثبات الذي تجلى بالتوازن للحركة المنطلقة. الملامح الأنثوية يكاد يصبغها وليد محمود على كل ما ينتج من منحوتات، حتى لو كان الباعث للعمل النحتي رجلاً، فهو يُخرج الكائن النسوي من الذكورة ويشتغل عليه، ذلك الكائن «الحمّال» للجمال ولتعدد القراءات والمجازات، و..من هنا يرى إنّ لا إبداع بدون إيحاء من حالة نسوية، حتى في اشتغال وليد محمود على الحالة الصوتية للفنان زياد الرحباني نحتياً، فقد اعتمد على حالة تمرد الأنثى في شخصية زياد الرحباني، الذي يعتبره ليس ذكراً وحسب، أو ليس ذكراً صرفاً، و..الإبداع حالة ما من حالات «الخنوثة» وكذلك عندما اشتغل على بورتريه للجنرال ميشال عون الذي وجد فيه شيئاً من ملامح جدته، وعندما يشتغل على هذه الحالة الأنثوية يعني أنه يشتغل على الإبداع بكامل جماليته، وهو ما يعطي حالة الجمال للعمل الإبداعي، حتى لو كان هذا العمل يتحدث عن دراما بكل تراجيديتها. من قال إنّ الصوت لا يُرى، و..ليس له لون أو رائحة..؟! هذا ما استطاع أن يقبض عليه وليد محمود، «الصوت» والصوت الموسيقي تحديداً ليثبته منحوتة فنية بكتلة، وأبعاد، و..قد فعلها مرتين، صوت موسيقا زياد الرحباني، و..صوت والدته السيدة فيروز، و..برأي محمود، فإنّ الفنان الذي لا يستطيع أن يسمع الصوت إلا بأذنه، فهو ليس مبدعاً، وأنما مهنياً فقط، غير أن الفنان الذي يلتقط الصوت بكل الحواس وبكاملها يكون مبدعاً حقاً، وهذا ما التقطه وليد محمود في كل من صوت فيروز وموسيقا زياد الرحباني، فكان نتاجه في ذلك جملة من المنحوتات اللافتة التي جسدت تلك الأصوات التفافاً حيناً ومد وحركة حيناً آخر، بتلك التشكيلات التي يصرُّ على «خنوثتها» بالذكورة والأنوثة المتماهية معاً بانسياب نسوي فيه من اللين الكثير، لكن الذي ينتهي بفوهة رشاش، فيما صدر المنحوتة يتشكل من شمس ساطعة مرتكزة على خصر من شجر الأرز، يجمع كل هذه الملامح بالكثير من التموجات داخلاً بالكثير من الزوايا هذا بالنسبة لتمثال السيدة فيروز، فيما قدم منحوتة زياد الرحباني بشكل عام «صولو» شديدة الخصوصية، لكنها تلك الحالة من الأنوثة المغلفة بملامح الذكورة. الحرير والشرنقة في أعماله تحدث محمود كثيراً عن أعباء المرأة في الشرق، فهي دائماً تحمل على ظهرها أحمالاً ثقالاً، ومطلوب منها التحليق، والرجل معلق بها، فيما أجنحتها صغيرة تجاه أحمالها، المرأة في الشرق –برأيه- تنام على حلم وتستيقظ على كابوس، وهذا موروث ثقافي وديني، وعلى الرغم من كل آلامها وأعبائها تجيد الرقص مع الواقع وتبدع بإنسانيتها، فالمرأة بشكل عام في الغرب والشرق حسب البيئة الاجتماعية والثقافية التي تعيش فيها مجردة من بعض قواها وطاقاتها، لذلك جسدها في معظم لوحاته، خاصة عندما وجد أن المرأة معجبة بواقعها. وأكثر ما لفته في نساء الشرق المرأة الخليجية، التي اشتغل لها أقرب ما يكون غزلاً للبدوية الحقيقية المتحررة الناضجة التي تتحلى بكل ما يعشقه الرجل في المرأة العربية البريئة من الزيف والنفاق التي تصر الرمال العربية أن تضفي «سراب» خداعها عليها، فكانت مجموعة من «النخلات» كمحاولة بسيطة لتعرية فتاوى القهر التي أطلقتها رؤوس مذكرة تمترست ضمن بعدي الهضم والنكاح، فكان على وليد محمود أن يختار نساء خليجيات بعينهنّ، و..كانت منحوتة «الشرنقة» أشهرها كتجسيد لشخصية الدكتورة الأديبة عائشة المانع، أول امرأة سعودية تقود السيارة بالعقد السادس من العمر. و.. في كل هذه المنحوتات يصر وليد محمود على المنحوتة الصغيرة، فمنحوتة زياد الرحباني هي بارتفاع سبعين سنتمتراً، ومنحوتة القيثارة تزن (450) غرام، وهي من دون قاعدة لا تتجاوز الأربعين سنتمتراً، ومنحوتة السيدة فيروز مع قاعدة مرمر مئة وتسع سنتمترات، وكذلك تمثال المواطن في مراحله الأخيرة لايتجاوز الـ (11) سنتمتراً، ويرى أن حجم العمل ليس له علاقة بالإبداع، بل يجد أن شغل العمل الصغير أصعب بأضعاف من الشغل على العمل الكبير، وفيه تحدٍّ أكثر، وكلما كبُر التمثال كلما كان إمكانية التحكم به أكثر، و..كلما صغُر كلما كان الإعجاز الإبداعي أكبر وخصوصاً الشغل على الحجر. تجربة وليد محمود التي اتخذت موضعها اليوم ليس على المستوى السوري وحسب بل، أخذت مكانها في المصاف العالمي فهو العربي الوحيد في «اتحاد الفنانين التشكليين العالمي» كما يُدير صالتي عرض واحدة «أكواريوم غاليري» في بيروت – لبنان، وصالة «حلم الحجر» في سيدني alraee67@gmail.com"استراليا. alraee67@gmail.com">– alraee67@gmail.com"استراليا. alraee67@gmail.com
|