لقد استخدمت الولايات المتحدة عبر عشرات السنين موضوع نشر الديمقراطيات في العالم حصان طروادة لتحقيق أغراض كثيرة غير تلك التي تعلن عنها، فهي تستخدم مصطلح الديمقراطية مرة وسيلة ضغط ومرة أخرى وسيلة تدخل وغزو للشعوب ومرات عديدة وسائل ترهيب وترغيب.
وقد ظهر للعالم أجمع كيف كذبت أميركا على الرأي العام الأميركي والعالمي حين ادعت أنها تريد تخليص العراقيين والأفغان من الديكتاتورية وجلب الديمقراطية إلى ربوع بلدي الشعبين لكنها لم تجلب لهما إلا الخراب والقتل والإرهاب والفوضى الخلاقة.
ومثل هذا الكلام ليس مصدره الرغبة بشيطنة أميركا بل هو حقيقة يعترف بها أصحاب البيت الأميركي أنفسهم، فها هو بول كريغ روبرتس مساعد وزير الخزانة في إدارة الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان يقر بأن الولايات المتحدة التي دأبت ومنذ فترة طويلة على إتباع نهج التدخل في الدول الأخرى للإطاحة بالحكومات الديمقراطية كما تفعل في الوقت الراهن في أوكرانيا.
ويقول روبرتس أيضاً في مقال نشره مؤخراً إن نزوة السيطرة والهيمنة التي تتصف بها واشنطن تجعل حكامها يعتقدون أن القرارات التي تتخذها وتفرضها على الدول الأخرى ذات السيادة قرارات ديمقراطية.
ولم يكتف روبرتس بذلك فقط بل أضاف إن العالم شهد ولعدة حقب زمنية هذه النزعة الأميركية للإطاحة بالحكومات الأخرى التي تتمتع بالديمقراطية واحدة تلو الأخرى وفرض أشخاص أشبه بالدمى كقادة لهذه الدول وهي في الوقت الحاضر تضع كل ثقلها بهدف ربط أوكرانيا بها.
وليس هذا فحسب بل أشار روبرتس إلى أنه من بين كل الاحتجاجات العنيفة التي كنا نشهدها تعتبر احتجاجات أوكرانيا الحالية الأكثر تنظيماً من قبل الاستخبارات الأميركية مضيفاً: إن أوكرانيا لديها حكومة منتخبة ديمقراطياً ولكن أميركا لا ترغب بذلك لأن واشنطن لم تخترها، ولذلك فهي مستمرة في تثبيت حالة الانقلاب وتمرير قرارات البرلمان الأوكراني في إقالة الرئيس واستلام رئيس البرلمان المؤيد لأميركا مهامه.
والمثال الأوكراني الحالي ليس المثال الوحيد في تعاطي أميركا مع هذه المسألة فمن فلسطين إلى السلفادور مروراً ببنما والسودان وغيرها عشرات البلدان لم تكن الولايات المتحدة حريصة على نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان وليست خطواتها هناك لخدمة الشعوب بل لخدمة شركاتها الاحتكارية الجشعة ولخدمة الحركة الصهيونية التي تسيطر على مفاصل الدولة الأميركية وتوجه سياساتها.
فأميركا تناصر بلداناً كثيرة ديكتاتورية ولا تعرف حتى الدساتير وتزعم أن هذه البلدان هي أول حلفائها وتدافع عنها في أروقة المنظمات الدولية وفي طليعتها الكيان الصهيوني العنصري الذي تدعي أن ممارساته الإرهابية لا تتعارض مع حقوق الإنسان بل إنها تشجعه على انتهاك هذه الحقوق واستمرار احتلال الأراضي العربية.
إنها ديمقراطية أميركا الخاصة بها التي تحارب حقوق الإنسان وتقف ضد المستضعفين في مجلس الأمن وتستخدم الفيتو ضد حق الشعوب المسلوبة أرضها وحقوقها، فهل هذا من الديمقراطية في شيء، وهل الديمقراطية تمارس داخل أميركا وتداس خارجها ؟!.
أما موضوع مكافحة الإرهاب فكان عنواناً فضفاضاً لمحاربة دول بعينها وتحقيق استراتيجيات بذاتها، وقد كشفت هذه الحرب عورة الممارسات الإرهابية الأميركية بحق الشعوب، كما كشفت حقيقة دعوات أميركا لصون حقوق الإنسان وتحقيق العدالة والحرية في ربوع العالم، وعرت النيات الحقيقية من وراء استخدام شعارات الحرية والديمقراطية.
باختصار انكشفت أضاليل أميركا حول الديمقراطية وحقوق الإنسان، وظهرت الأكاذيب واضحة جلية فمن يناصر الحريات لا يقمع الشعوب ويقتلها ويشرد الملايين باسمها، ومن يقف مع الديمقراطيات لا يحارب الشعوب والحكومات التي تحاول رسم مستقبلها بطرق ديمقراطية!!.