ولقد تابعنا فصولاً ومشاهد في جنيف وماواكب جنيف من ضخ إعلامي تؤكد جميعها حقائق ثلاث، أولها أن القصة برمتها وفي أساسها تقع في حدود مشروع امبريالي-صهيوني- رجعي يستمد أصوله من نزعة الحقد على سورية وينتمي بكل فروعه وتطبيقاته إلى الجذر الصهيوني المتغلغل تاريخياً وواقعياً في كل مفاصل الغرب والمتحرك بدهائه وخبثه إلى مساحات الدنيا بكاملها مستغل في ذلك طاقة الإمكانات المتوفرة للفكر الصهيوني ولاسيما التكنولوجية منها والبحثية والمادية والنفسية.
وتوضح هذه الحقيقة أن المستوى المطروح من الصراع في سورية وعليها هو تاريخي بمعنى أن هذا المشروع استند إلى مقدمات زمنية طويلة وإلى تحضيرات محكومة بتكثيف الحقد على سورية الوطن والشعب والتاريخ ، وأن هذا المشروع العدواني نفسه هو صياغة للواقع الراهن وامتداد نحو المستقبل القريب والبعيد بحيث يتم اجتثاث الدور التاريخي لسورية والتخلص النهائي من هذا الدور المناقض والمقلق بالنسبة للفكر الصهيوني ونظرية الاستعمار الغربي المستمرة، وثاني الحقائق هو أن هذه الصيغة من الاستهداف العدواني اعتمدت على مناطق الضعف وعلى الثغرات القائمة في الواقع العربي والإنساني، وهذا ماأعطى للمشروع المعادي أدوات كمية كثيرة في الوطن العربي وفي العالم ولاسيما من مصادر التبعية الرجعية للغرب كما نراها في مواقف آل سعود وآل ثاني وأنظمة الخليج عموماً وهي تمد المشروع بالهمجية الفكرية وبالمال الحرام وبالتغذية المحمومة لقوى الإرهاب في سورية، وصار واضحاً أن الأدوات «الإسلامية العربية» قد تم تشكيلها وزجها في الصراع على سورية باستثمار العامل العقائدي المضطرب وباختيار نشر التناقض والضبابية في عناوين ومفردات وتأويلات هذا العامل العقائدي.
لعل مانتابعه في صورة مايجري من خلال قطع الأواصر القومية واختطاف معالم ومعاني الدين الإسلامي الحنيف إنما يشكل فقرة مهمة في تعميم ثقافة التبرير للدمار وثقافة الحقد على الوطن العربي السوري، وهذا شكل معياراً كاشفاً ومتحركاً وغير ناضب حتى هذه اللحظة، إن لنا أدوات في الواقع العربي والإسلامي تحولت مباشرة إلى أسلحة صدئة مسمومة تحت تصرف المشروع الامبريالي الصهيوني الرجعي المعاصر، وهذا مايجب أن يضاف بجدية إلى مناسيب الوعي الذي لابدأن يتشكل للإحاطة (بالدور) العالمي المتجه إلى سورية باعتبارها المركز النوعي التاريخي والمعاصر الذي لابد من إزاحته بل تدميره لتنتهي الطاقة العربية المتجددة وليتحقق للغرب وإسرائيل الهدف الأهم والهاجس الأكبر بحيث لابد من تفجير الإسلام من الداخل وتأمين موعد زمني ممتد للكيان الإسرائيلي يضمن له الانتشار في بلادنا بما يوازي الاندثار لهذه البلاد.
أما الحقيقة الثالثة فهي التي تنتمي بجذورها إلى التاريخ الاستعماري الصهيوني بكامله، فما من جديد في الهجمة على سورية ولكن هناك متجدد ومستجدات أصولها تقع في التاريخ الامبريالي الصهيوني وفي مناطق الضعف والخلل في الواقع العربي والإسلامي، لعل مانعيشه اليوم في هذا الصراع المصيري يستمد أصوله من جذور وصبوات تاريخية تقوم أساساً على وحدة الهدف التي تجمع الغرب الاستعماري والصهيونية المتوحشة، إننا نلاحظ الآن من خلال أنماط السلوك الأميركي والأوروبي في جنيف خاصة وفي مجمل آفاق الصراع ضد سورية، نلاحظ الاستنهاض للذاكرة التاريخية المشوهة للغرب والصهيونية، هذا الاستمداد لعوامل الأيديولوجيا المؤسسة ولوقائع التاريخ المريرة عبر آلاف السنين لكي يتم زجها في مسارات هذا الصراع القائم علينا، إن المحصلة العامة تعطينا المدى والضرورة معاً لنكون أكيدين بأن المشروع العدواني القائم هو تطبيق لمسيرة مشؤومة وهو إنجاز بطريقة الاستحقاق لمراحل سابقة متعمدة لم تغادر الذاكرة الغربية الصهيونية بالمعنى الأيديولوجي والسياسي والعسكري وكل ماأضيف إلى مقاطع هذه الذاكرة هو افتعال أدوات وأذرعة إرهابية لطالما كانت محاصرة في أوكارها مخنوقة في دائرة السموم التي كونتها وجهزتها، علينا إن ندخل إلى التداول العضوي في هذه الأيام قصة الأحقاد التاريخية جنباً إلى جنب مع التوظيفات والاستحداثات الهجينة في الجغرافية الوطنية والعربية والإسلامية وفي هذا السياق يحق لنا أن نورد هذا النص للرئيس الأميركي كارتر في العام 1977 حيث يخاطب العالم كله بقوله( هذه هي أرضك ياإسرائيل والتوراة تقول بذلك، وإن أي شخص أو مجموعة أو دول تعارض الحق الإلهي لإسرائيل في فلسطين لاتحارب إسرائيل فقط بل تحارب الله أيضاً) الآن ندرك المغزى الهام لقيادة كارتر لكامب ديفيد المشؤوم، والأن ندرك أيضاً لماذا هذا الاستهداف للوطن السوري بكل خصائصه ووظائفه وتنوعه، إنها مسألة الأعماق وهذا هو موعدنا في الزمان والمكان.......