فالاثنان قدما وجهيهما على مذبح المجمل الصهيوني (الايباك) ليخرجه كيف شاء كلازمة شرطية حتمية تأهيلية أخيرة قبل أن ينطلقا كمتسابقين رسميين إلى كرسي البيت الأبيض(ففي صالون ايباك لا فرق بين وجه ديمقراطي أسود وآخر جمهوري أبيض ما دام القناع واحداً, والاخراج الاخير للوجه واحداً, هذا القناع الذي يعتبر أساساً للعملية الانتخابية الحسابات الأمريكية الكبرى بقيادة (إيباك).
هيلاري كلينتون لم تخرج عملياً من السباق لأنها قناع الإيباك,بل العكس,فقد قدمت وجهها للمزين الصهيوني على طبق مصنوع من الذهب الخالص (يهود مانهاتن وبروكلن) ولكن ولأن لعبة (الألوان) قد استحوذت على لب الجمهور الأمريكي فقد انعدمت حظوظها أمام الوجه الأسود, فلو كان باراك أوباما أبيض لربما كان قد خرج من التنافس منذ الخطوات الأولى للسباق,أما وقد شاء القدر أن يمنح أوباما العلامة الكاريزمية الفارقة في وقت بلغ فيه(البياض) الرئاسي البوشي حدوداً غير مسبوقة من الكراهية الداخلية كما الخارجية, فقد رأى الكثيرون من الأمريكان البيض قبل سواهم في هذا المشاكس الأسود فرصة كاملة للتغيير الشامل فاقتنصوه كما لو أنهم يريدون به التعبير الدلالي الكثيف والصارخ في وجه بوش المعنى والمبنى والمرحلة:لقد مقتنا فيك حتى لونك جراء أفعالك وخاصة على الصعيد الداخلي وما تعلق منها برفع الضرائب وتكميم الأفواه وجر عداء العالم للولايات المتحدة.
ولذلك فإن مغريات(إيباك) لن تكون في قادم الأيام الأمريكية محل تنافس بين مرشحي الديمقراطيين والجمهوريين إلا بمقدار ما لبقية القضايا الانتخابية من علاقة بها,وهذا بالطبع ينحصر إلى حد كبير بالسياسة الخارجية الأمريكية تجاه قضايا الشرق الأوسط وعلى هذا الصعيد فما من فرق كبير بين رؤيتي أوباما وماكين,فكلاهما قابع تحت ظل نجمة داوود وكلاهما سيمضيان في الترويج الانتخابي لسياستيهما الشرق أوسطية واللتين ستختلفان بين أوباما وماكين تبعاً لتكتيكاتهما المكبلة سلفاً,بدءاً وانتهاءً,بقيود شعار (اسرئيل أولاً) .
وسواء تعلق الأمر بالأراضي الفلسطينية المحتلة أو بالعراق أو ايران أو لبنان أو سورية أو أي مكان أوسطي آخر ففي كل الأحوال لن يقدم أي من المرشحين على خرق الثوابت (الإيباكية) الكلاسكية في حملته الانتخابية.
بالنسبة للدولة الفلسطينية التي وعد بوش بأن ترى النور قبل أن تنتهي ولايته الثانية فإن في طريقها من العقبات والعقد المستعصية ما يخلق حاجة إلى معجزة كما صرح مؤخراً أحد المفاوضين الفلسطينيين,فلا أوباما ولا ماكين بالرجلين القادرين على أن يقدما نفسيهما كمجترحي معجزات من العدم بعد أن استغل الاحتلال الإسرائيلي ضعف الإدارات الأمريكية واختلاف العرب في زرع المستوطنات على ما تبقى من مكان يمكن لمارد المصباح السحري أن يتدبر عليه أمر الدولة الفلسطينية ,تلك التي لم يرفع بوش شعارها إلا لغايات يعرفها الجميع.
وفي الشأن العراقي وفيما يؤكد أوباما بضرورة الانسحاب الأمريكي المبرمج من العراق بعد تمرير خديعة ما تسمى بالاتفاقيات الأمنية الأمريكية-العراقية فلا يبتعد عنه ماكين في رؤيته كثيراً سوى لجهة التشدد المغالي والغطرسة الفاقعة وغير ذلك مما اعتدنا عليه من نكهات خطاب الجمهوريين المحافظين.
وفيما يتعلق بالملف النووي الايراني يشدد أوباما على الحوار مع ايران لحل هذه القضية بالطرق الديبلوماسية مع التأكيد أن أحداً لا يحق له امتلاك السلاح النووي في المنطقة غير اسرائيل,فان ماكين يشدد على الخيار العسكري,وبالتالي يتفق الاثنان على المبدأ الأساسي وهو منع ايران من امتلاك التقنية النووية وتعزيز وضع اسرائيل النووي أما القضايا الخارجية الأخرى فهي غير ذات جاذبية كبيرة بالنسبة للناخب الأمريكي إلا إذا استثنينا تلك المرتبطة منها مباشرة برفاهيته وأمنه ونمط حياته,وهي ما يدفع بعض المراقبين إلى المراهنة على الحصان الديمقراطي متوسمين فيه انعطافة من نوع ماقد تطرأ على مسيرة العقل القيادي الأمريكي وذلك لا بسبب من الأهلية الدماغية للفارس أوباما حصراً بل بسبب من نزوع المواطن الأمريكي إلى التغيير بعد أن أوصلته سياسات بوش إلى ما يشبه الكارثة.
لكن عاملاً قد يكون هو الأكثر حضوراً في هذه اللعبة وهو وسائل الإعلام التي تلعب الدور الأكبر في تكوين الآراء لدى المواطنين الأمريكيين وهذه في معظمها واقعة تحت تأثير اللوبي الصهيوني الذي يوجهها كيف شاء,والمصلحة الصهيونية إذا ما اتخذنا بعين الاعتبار الشريحة الحاكمة في اسرائيل من التوراتيين والمتشددين تكمن في خط سير ماكين الذي أعلن مراراً أنه سيشن المزيد من الحروب تحقيقاً لأمن اسرائيل واضعاف خصومها ,فلو قدر لاوباما أن يفوز فقد تدخل المنطقة والعالم في حالة من الجمود السياسي والاقتصادي ينذر بمجاعات وانهيارات اقتصادية,ولو قدر لماكين أن يفوز فإنه انذار بعواصف دموية جديدة تهب على منطقة الشرق الأوسط, خياران أحلاهما مر.