ولم يصدر مدعو المحكمة وقضاتها مذكرات توقيف أو اعتقال بحق مجرمي الحرب الذين ارتكبوا مئات الجرائم بحق البشرية في هذه البلدان وغيرها من بقاع العالم .
ولعل المفارقة المثيرة للحزن والأسف أن تلك الجرائم الموصوفة تم تجاهلها رغم أنها موثقة بالأدلة والبراهين والاثباتات القاطعة وبالصور الحية وأشرطة الفيديو التي تناقلتها مراراًوتكراراً محطات التلفزة العالمية, وبات لدى منظمات حقوق الانسان ملفات - وما أكثرها- عن الانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان في كل بقاع الأرض على أيدي الاحتلال الأميركي هنا والاحتلال الإسرائيلي هناك, لا بل إن تقارير تلك المنظمات وفي مقدمتها الأمم المتحدة كانت تؤكد بالشواهد أنها جرائم إبادة ضد الانسانية لكن المحكمة الجنائية الدولية لم تكن تكترث لها أو حتى نراها تستنفر قواها وتحرك العالم كما استنفرت لتحريك قضية دارفور وإصدار مذكرة اتهام بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير بذريعة ارتكاب جرائم إبادة بحق الانسانية.
المفارقة الثانية هي أن المحكمة الجنائية الدولية تجاهلت أن الأمم المتحدة كانت السباقة إلى الاعلان مبكراً - ومنذ سنوات- إن ما جرى في دارفور ليس جرائم إبادة كما أنها تجاهلت أن الحكومة السودانية عملت منذ بدايات الأزمة المتفجرة على تطويقها ومحاولة رفع الظلم الذي وقع في دارفور وإجراءاتها العديدة لتوفير الاستقرار هناك بمساعدة الاتحاد الافريقي والمنظمات الانسانية المختلفة.
إن السؤال الذي يلقي بظلاله اليوم على قرار المحكمة الجنائية الدولية ويضع أكثر من علامة استفهام حول مذكرتها بحق الرئيس البشير هو: أين مذكراتها ضد مجرمي الحرب في إسرائيل الذين يرتكبون عبر حربهم العدوانية المفتوحة ضد الشعب العربي الفلسطيني أبشع أنواع الجرائم التي تقول عنها كل منظمات حقوق الانسان في العالم بأنها جرائم إبادة وفقاً لاتفاقيات جنيف وللميثاق العالمي لحقوق الانسان?!.
أين مذكراتها بحق من ارتكب مجزرة حديثة بالعراق والتي راح ضحيتها ( بدم بارد وعلى أيدي جنود المارينز) عشرات الأطفال والنساء والشيوخ فقط لأنهم كانوا داخل منزل خرجت من أطرافه رصاصة ضد الاحتلال?!.
أين مذكراتها بحق شمعون بيريز قاتل أطفال قانا وبحق أيهود أولمرت الذي أمر بإلقاء مئات ألوف القنابل العنقودية المحرمة دولياً فوق مناطق مدنية آمنة في جنوب لبنان خلال عدوان تموز 2006 ?!.
أين مذكراتها بحق مجرمي الحرب في أفغانستان والعراق الذين قتلوا وشردوا ملايين المواطنين في هذين البلدين المنكوبين ودمروا مؤسسات الشعبين وقضوا على أحلامهما بوطن آمن ومستقر?!.
أين مذكراتها بحق من مارس كل أنواع التعذيب وانتهاكات حقوق الانسان في سجون أبو غريب وغوانتانامو وفي السجون الطائرة والسجون العائمة وتلك التي لاتعرف خباياها إلا أجهزة الموساد والسي آي ايه?!.
حقاً هناك مئات وربما آلاف المذكرات التي تتطلبها العدالة الدولية لإحقاق الحق لكنها لا تمر اليوم على المحكمة الجنائية الدولية لأن المحكمة رضيت أن تكون أداة سياسية بيد القوى الكبرى وفي مقدمتها الادارة الأميركية ومطية لخدمة أهدافها الاستراتيجية!!.