اليوم يعود السيناريو نفسه ولكن في قارة أخرى في السودان الشقيق, ويستخدمون اللاقانون واللاشرعية وسيلة لتمزيق هذا البلد العربي ,وذلك من خلال تصعيد أزمة دارفور »المختلقة« من قبل دوائر القرار في الغرب وأميركا, وما جاء عبر الاتهام الموجه من قبل المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية يعتبر خطوة في مسلسل طويل يستهدف تحقيق الأهداف الاستعمارية الكاملة في المنطقة العربية برمتها.
القضية كلها مفتعلة والأزمة مختلفة, في نظرة سريعة لما يجري في دارفور نشاهد التطور السريع منذ بداياته الأولى وخلال فترات تصعيده قبل أن يتحول إلى حدث عالمي تختلط فيه الأوراق وتنفذ عبره المخططات بعد أن أغمض العالم عينيه عن كل الجرائم وحروب الإبادة الجماعية التي يمارسها العدو الصهيوني على أرض فلسطين المحتلة وفي مواجهة الشعب اللبناني أو عبر الغزوات العسكرية الأميركية على أفغانستان والعراق.. ناهيك عن جرائم التعذيب والجرائم ضد الإنسانية التي تحدثت عن بعض فصولها معتقلات غوانتانامو وأبو غريب وغيرهما. منذ نيسان عام 2004 وأزمة دارفور تتصاعد باستمرار عبر صراعات محلية في أقاليم ثلاثة, وهذه الصراعات داخل الاقليم لم تكن سوى نزاعات بين أصحاب »الحواكير« وأصحاب »المراعي« من أبناء الاقليم الواحد الذين تعايشوا عبر قرون من الزمن على أرض واحدة ولم تفرق بينهم سوى بعض المحاولات التي استهدفت وأد وحدتهم والمس بكيانهم في ظل مخطط أميركي أوروبي تسعى واشنطن وتعمل جاهدة لفرضه على المنطقة العربية خدمة للكيان الصهيوني وخدمة لمصالح الغرب في المنطقة.
المسألة أكبر بكثير من أحداث ذات طابع عرقي واثني تشهدها ولايات دارفور الثلاث, فالمسألة ترتبط في الأساس بمخطط يستهدف السودان بكامله , وهذا الأمر يشكل أمراً خطيراً للغاية.. وهو في النهاية يستهدف كما كان حال العراق تحقيق جملة من المصالح الأميركية والغربية في المنطقة العربية من هذه المصالح إنشاء خط بترول من العراق عبر الخليج إلى البحر الأحمر ثم إلى الأراضي السودانية ثم إلى المغرب ليصب مباشرة على شاطئ المحيط الأطلسي, وذلك بغية تأمين نقل صادرات النفط العربي إلى أميركا والدول الغربية,وهو ما يعني في الجانب الآخر شن حرب اقتصادية ضد مصر عبر القضاء على أهمية دور قناة السويس كشريان حيوي للملاحة البحرية , ناهيك عن التهديدات الأمنية التي ستصيب مصر في حال تصعيد الأوضاع ضد السودان, وقد أعدت خطة غزو السودان قبل خطة احتلال العراق من قبيل جورج بوش والمحافظين الجدد داخل الإدارة الأميركية وقد قام بإعداد هذه الخطة الأميركي» جون مارسيلي«, حيث أوضح فيها أنه في حال تحقق الانتصار الأميركي العسكري في العراق فإن الأوضاع ستستمر مضطربة لسنوات وإن هذا الاضطراب سوف ينتقل إلى العديد من الدول المجاورة وإن الجماعات »الإرهابية« سوف تنتشر في العراق وغيرها من دول المنطقة وهو ما سوف يؤدي إلى مزيد من التوترات الأمنية في نقل البترول الأوسطي إلى الأراضي الأميركية, وفي نفس الوقت أشار المخطط إلى أن اكتشاف الثروة النفطية الجديدة في السودان يجعلنا نعيد النظر في ترتيب الأوضاع داخل السودان وفهم الخطة الأميركية فإن الهدف هو وضع الحكومة السودانية في مأزق حقيقي يسمح للتدخل العسكري في السودان كما جرى في العراق وحين ظهرت أزمة دارفور كانت واشنطن قد بدأت بالفعل اتصالاتها لإنشاء خط أنابيب جديد يمتد عبر البحر الأحمر من »ينبع« ليتصل في نقطة ما بالبترول العراقي ثم يتم الاستفادة من الخط نفسه لسرقة نفط السودان عبر امتداده داخل أراضي دارفور ويمر عبر الأراضي التشادية وعبر الدول الافريقية المجاورة حتى يصل في نقطة ما للاتصال المباشر بأراضي المملكة المغربية ومنها إلى المحيط الأطلسي ليصل بالنهاية إلى أميركا والغرب.ولتحقيق مثل هذا الهدف عملت أغلب الدول والجهات الأجنبية التابعة للولايات المتحدة بالإضافة إلى أجهزة الاستخبارات الأميركية على تسخير إمكانياتها عبر الأموال والاتصالات لكي تضمن ولاء عدة قبائل في دارفور وفقاً لرؤية الأمن القومي الأميركي الذي أعد بدوره ورقة أوضح فيها أن الأوضاع ستكون أيسر كثيراً من الأوضاع في العراق, وكان هناك تركيز واضح على ولاية جنوب دارفور حيث ركزت هذه الجهات بشكل خاص على قبائل »الفور« الداجو, الزغاوة وحاولت الإدارة الأميركية إقامة علاقات عمل مع بعض زعماء هذه القبائل, في ضوء ذلك بدأت تتشكل في دارفور مجموعات مسلحة لمواجهة التدخل الأجنبي وبدأ استغلال الأوضاع الإنسانية في دارفور للتسلل إلى داخل الاقليم, وقد تردد في وقت مبكر أن هناك محاولات إسرائيلية للتسلل إلى دارفور بهدف السيطرة على الممرات الاستراتيجية.
لقد عملت الأجهزة الاستخباراتية الأميركية والاسرائيلية جنباً إلى جنب وبتنسيق تام وحاولت تصوير النزاع داخل الاقليم على أنه صراع عربي- افريقي وراحت التقارير الغربية الصادرة عن المؤسسات والمنظمات التي تدعي بأنها تمد سكان دارفور بالمعونة الإنسانية, تعرب عن قلقها إزاء مجريات الأحداث في دارفور وبدأ سيل الاتهامات للحكومة السودانية بممارسة التطهير العرقي العنصري وارتكاب جرائم ضد الإنسانية في مواجهة أبناء بعض القبائل الافريقية لمصلحة بعض القبائل العربية.
وعلى الرغم من قبول السودان بالكثير من الحلول لمواجهة المؤامرة والمخطط الأميركي الغربي ضد السودان من خلال أزمة دارفور إلى أن هذه المخططات راحت تتصاعد حيث وصلت إلى إعلان »أوكامبو « المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية عريضة الاتهامات الموجهة للرئيس السوداني والقاضية باتهامه بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية وتطلب القبض عليه, وذلك في سابقة تتناقض مع مبادئ أساسية في مواثيق الأمم المتحدة تتعلق باحترام سيادة الدول على أراضيها وعدم التدخل في شؤونها القانونية, لقد وجدوا في المحكمة الجنائية الدولية ضالتهم للانقضاض على السودان بعد أن فشلوا في إقناع العالم بشرعية مخططهم الذي تجاوزوا فيه الأمم المتحدة ومجلس الأمن يوم شنوا حربهم العدوانية على العراق, لقد تحولت المحكمة الجنائية الدولية إلى »أداة« يمكن استخدامها حسب رغبة الدول الكبرى وعلى الرغم من أن ميثاق الأمم هذه المحكمة لا يسرى إلا على الدول التي تصادق عليه.
لا بد وأن يلقى هذا القرار الرفض من قبل الحكومة السودانية وكثير من الدول, وقد اعتبرت الجهات التي رفضت هذا القرار أنه سوف يزيد التوترات الأمنية تصاعداً وخصوصاً في أزمة دارفور وسوف يشكل تطوراً خطيراً يلقي بتداعياته وانعكاساته ليس على أوضاع السودان فحسب بل على المنطقة العربية برمتها.