أو أنه حدد موقع هجومه بحيث يكون على مقربة من حديقة كبيرة تطل على كل من أسوار المدينة القديمة وحاجز الفصل تدعى حديقة جرس الحرية, وسواء صحت أي من المقولتين أم لم تصح فإن الهجوم قد أعطى مؤشراً لأوباما عن الهوة العميقة التي تفصل تصريحاته بشأن القدس الموحدة والواقع المحزن التي تعيشه القدس المقسمة.
يتعين على مستشاري أوباما أن يأخذوا باعتبارهم ما صدر عن رئيس الشين بيت يوفال ديسكن من تصريحات إثر الهجوم الذي قام به أبو طير, حيث حذر من عدم وجود سلطة في القدس, الأمر الذي سيشكل معضلة عصية الحل لكن السؤال الذي يطرح نفسه:كيف يريد ديسكن أن تكون تلك السلطة في القدس? هل يراها بتدمير المنازل وترويع سكان المدينة?
كما على أوباما أن يسأل عن الكيفية التي نشأ بها الفراغ في السلطة وعن الأسلوب المناسب لملئه وخاصة أن الدبلوماسيين في القنصلية الأميركية سيقولون إن الود المتبادل قائم بين سكان الأحياء العربية والإسرائيليين , في الوقت الذي يؤكد الواقع بأن المنظمات الاستيطانية تهيمن هيمنة قمعية على السكان العرب بتشجيع من الحكومة. قبل عدة أيام بدأت رحلة أوباما إلى الشرق الأوسط وقد سبق أن تطرق إلى خطابه الذي ألقاه قبل شهرين في المؤتمر السنوي للايباك والتي أبدى بها معارضته لتقسيم القدس منوهاً إلى أنه كان يقصد عدم العودة إلى السياج الشائك الذي كان يقسم القدس حتى عام ,1967 ويمكن من هذا القول أن نستنتج أن المرشح الرئاسي قد اقتنع بتعذر التوصل إلى اتفاق طويل الأمد بين إسرائيل والفلسطينيين بحيث ترضى عنه كافة الأطراف.
وفي كل الأحوال عندما يتسلم رئيس جديد للولايات المتحدة فلن يكون ثمة ما يمكن تقسيمه لأن إسرائيل تبذل جهوداً حثيثة لتهويد القدس عبر إصدارها تشريعات وقيوداً إدارية وبنائها لحاجز الفصل والاستيلاء على أراضي الفلسطينيين وإساءة معاملتهم ولا ريب بأن هذه الإجراءات ستحول القدس إلى مدينة ثنائية القومية يتعذر تقسيمها.
ينبغي على أوباما ألا يثق بما يقال حول الانسجام القائم بين اليهود والعرب في القدس , وأن الهجمات الثلاث التي حصلت مؤخراً في العاصمة تمت بشكل فردي من قبل أشخاص غير مرتبطين بأي مجموعات مسلحة وأنها لا تعكس الواقع الفعلي للسكان المحليين, وعلينا أن نعلمه بأن السيد سري نسبيه »وهو أحد القادة الفلسطينيين المعتدلين« قد دعا الاتحاد الأوروبي لوقف المساعدات الاقتصادية للسلطة الفلسطينية لأنه يرى بأن وجودها سيفضي إلى بقاء الاحتلال في الضفة الغربية والقدس الشرقية إلى أمد غير محدود. ليست السلطة الفلسطينية وحدها من فقد الهيمنة على سكان القدس الشرقية, إذ إن حماس أيضاً أصبحت بالوقت الحاضر مهتمة بالإبقاء على التهدئة لكن ما يقوم به سائقو البلدوزرات واحداً تلو الآخر من عمليات دهس وما يجري من إطلاق نار على ضباط الشرطة , يؤكد لنا فقدان القيادات الفلسطينية الهيمنة على أفعال سكان القدس الشرقية, الأمر الذي قد يقود القدس إلى الوقوع في حالة تحاكي الوضع العراقي وفي الجانب الآخر يتزايد الإرهابيون اليهود, ويقومون بإساءة معاملة الفلسطينيين في كل يوم بهدف ترحيلهم من القدس الشرقية ومرتفعات الخليل, وبذلك فإن المتعصبين في كلا الجانبين يجرون بلادهم إلى الهاوية تماماً مثلماً وصفهم الشاعر الفلسطيني محمود درويش بصبيين طائشين سقطا في هوة واحدة وبقيا يقتتلان.
تقع القدس المتنازع عليها في منطقة مميزة من حيث إشرافها على المناطق الواقعة بين البحر المتوسط ونهر الأردن وإذا سلك الرئيس الأميركي القادم سياسة سلفه في استمرار المحادثات والمؤتمرات اللانهائية فإن الصراعات بين الجانبين ستبقى إلى مالا نهاية , إما إذا كان أوباما صادقاً بقوله إنه صديق حقيقي لإسرائيل فعليه العودة عما سبق وأن وعدبه بشأن القدس إذ إن أي رئيس يقول بحماية إسرائيل ويهتم بوجود دولة يهودية لن تكتب له الطمأنينة قبل أن نحتفل جميعا بتقسيم القدس إلى عاصمتين وتقسيم البلاد إلى دولتين.