ولكون عملية التبادل ترتبط اشد الارتباط بحرب شاملة شنتها اسرائيل على لبنان وما ألحقته هذه الحرب من خسائر مادية ضخمة في البنى التحتية المدنية اللبنانية بهدف التأثير على وعي الشارع اللبناني والعربي اولا وعلى وعي جماهير المقاومة ثانيا, فالغضب العارم والشامل الذي ساد الشارع الاسرائيلي الى جانب الشعور بالإهانة والإذلال الشديدين جراء الطريقة التي أعلن خلالها حزب الله عن ان الجنديين ميتان , تفسر الى حد بعيد ردة الفعل الإسرائيلية عامة على انهيار كثير من منظومات الوعي الاسرائيلي حول أنفسهم بالدرجة الأولى وحول عدو يحاربهم ويعرفهم تمام المعرفة .
جيف جاكوبي:
حزب الله انتصر في حرب الأدمغة
والصدمة الشديدة التي ألمت بصناع القرار الذين طالما تبجحوا بالقيم الأخلاقية وطهارة سلاح جيشهم , عندما وجدوا أنفسهم وجها لوجه أمام حقيقة أكدتها المقاومة الإسلامية بان إنساننا أغلى من إنسانهم وان قيمنا الإنسانية والأخلاقية تفوق قيمهم وأخلاقهم التي طالما اوحو للعالم خلالها بان إنسانهم أفضل من غيرهم من بني البشر وان قيمهم تختلف عن قيم جميع الناس من الغوييم محاولين بشتى الوسائل التغطية على طبيعة الكيان العنصري الذي انشؤوه بالقتل والتدمير وذبح الإنسان الفلسطيني وتقطيع أوصال مجتمعه وتشريده في جهات الأرض الأربع فلو ينصف التاريخ ويتفحص ذاتية جميع مسؤولي هذا الكيان العنصري العسكريين والسياسيين منذ إقامته على الأرض الفلسطينية لوجد ان تاريخ كل واحد فيهم ملطخ بدماء الفلسطينيين والعرب وان لكل واحد منهم دور في مذبحة او عملية قتل جماعية او فردية , لذلك نراهم يجن جنونهم عندما يرون اكثر المقولات الصهيونية عنصرية عن العرب تتهاوى أمام ناظريهم, ويغطون خيبتهم وشعورهم بالمذلة بالحديث ثانية عن ديموقراطية كيانهم العنصري وعن أخلاقياتهم التي تدفعهم باستعادة الأبناء وليس عن عجزهم وفشلهم في مواجهة احد أهم الأبعاد لانتصار المقاومة وسقوط الكثير من الأكاذيب التي طالما صدقوها وتعاملوا معها على أنها حقيقة على المستوى الأخلاقي والمعنوي طوال تاريخ الصراع.
ولعل أبلغ تعبير عن الإفلاس الأخلاقي الصهيوني, ليس في زخم المقالات والتحليلات التي تنشرها الصحافة الإسرائيلية حول البعد المعنوي والأخلاقي التي تعاملت اسرائيل خلاله مع ظاهرة الأسرى العرب, وإنما في التهديد المباشر الذي وجهه اكثر من مسؤول إسرائيلي للقنطار بأن المخابرات الإسرائيلية أصبحت في حل من التزام تجاهه وسوف تغتاله. وبحسب ما نقله مراسل صحيفة يديعوت أحرونوت, شمعون شيفر, عن مسؤول إسرائيلي قوله إن: سمير القنطار الذي تم تحريره أمس في إطار صفقة تبادل الأسرى مع حزب الله تحول إلى محكوم عليه بالإعدام .
فسمير القنطار الذي قرر حكام اسرائيل الانتقام منه, فصلبوه وعذبوه, وأصدروا ضده أحكاما بالسجن لمدة 542 عاماً ورفضوا أي حديث عن مبادلته تحت أي ظرف, حتى اعتبر اطلاق سراحه خطاً أحمر, وتداول السياسيون والإعلاميون منذ ذلك الوقت عبارة تقول ان اسرائيل لن تلد المسؤول الذي سيفرج عنه.لم يغظ الإسرائيليون جميعا ويخرجهم عن طورهم لأنه صمد طوال هذه الفترة القياسية ولم يتنازل عن كل ما يؤمن به, وليس لأنه يعرفهم خلافا لما يعرفه العرب التقليديون , وليس لأنه وقف يعانق البندقية وسيد المقاومة ,بل لأنه خرج رمزا لأمة بأكملها بكل ما تحمله من عزة وكبرياء,خلافا لما أرادوه طوال فترة أسره الطويلة لان يربوا فيه الأجيال العربية فرباهم هم وأصبح قوة مثال لكل مقاوم على وجه هذه البسيطة.
سمير استحضر معه فلسطين كصورتها البهية مجسدة بجثامين الشهداء الابرار,واستحضر معه الفعل العربي والإسلامي الحقيقي لتأخذ فلسطين مكانها الحقيقي في هذا الفعل ,حين يحمل الفلسطيني في بيروت جثمان عروس الساحل دلال المغربي ويحمل اللبناني جثمان عروس الجنوب سناء محيدلي والسوري جثمان الاستشهادية السورية والتونسي والأردني والليبي والكويتي وحتى الباكستاني أليست فلسطين كذلك ?
لماذ يفعل هذا الأحمق اولمرت كل هذا ?يتساءل احد الإسرائيليين في برنامج تلفزيوني تعليقا على الاحتفالات التي عمت لبنان وكثير من عواصم العرب.: لقد أعاد العرب للصراع معنا بعد ان نسي كثير من العرب القضية الفلسطينية ,يضيف هذا الاسرائيلي بكثير من الحسرة والحزن.
على أية حال الهزيمة المعنوية في الحرب العدوانية على لبنان والتي تكللت بعملية تبادل الأسرى لم تقتصر على اسرائيل وانما تجاوزتها لتصيب الصهيونية خارجها حيث كتب المعلق اليهودي جيف جاكوبي في الصحيفة الأمريكية الهامة بوسطن غلوب لم توجه ضربة كهذه أبدا لقدرة
اسرائيل الردعية وهو يسمي صفقة الأسرى: استسلام وخنوع مهين . ويضيف : اسرائيل تضيع النزر اليسير الذي بقي من سمعتها... وهي تثير في نفوسهم الاحتقار والاستهزاء«. جاكوبي يعتبر القرار 1701, قراراً ميتاً ويقول: والمثير للجزع اكثر من اي شيء آخر هو سيطرة حزب الله في الواقع على حكومة لبنان... حزب الله لم يعد تنظيماً إرهابيا إضافيا مدعوماً من قبل دولة, وانما تنظيماً يمتلك دولة...
الصحافة الإسرائيلية أجمعت على ان عملية تبادل الأسرى هي انتصار لحزب الله من جهة وإعلان مبين لهزيمة اسرائيل في الحرب الثانية على لبنان من جهة اخرى بحسب اليكس فيشمان المحلل العسكري في يديعوت احرنوت ,وفشل كبيرلاسرائيل من وراء احتجاز سمير القنطار كل هذه الفترة اذ رأى فيشما نفسه في مقال له: أن إسرائيل جعلت القنطار بطلا قوميا من خلال سلسلة أكاذيبها. وأضاف أن لحزب الله أسبابا جيدة للتعامل باحتقار مع إسرائيل.
ففي حزب الله كانوا يعرفون ما تم إخفاؤه طوال الوقت عن مواطني إسرائيل. إنه لم تكن للتقرير حول (الطيار الإسرائيلي المفقود) أية أهمية وأية صلة بصفقة التبادل الأخيرة.
وإن هذا التقرير ليس إلا ورقة تين تم إنتاجها لخدمة غايات إسرائيلية داخلية, لستر حقيقة أن حزب الله تعهد لإسرائيل بالتزامات أخرى بخصوص رون أراد ولم ينفذها.
ويقول فيشمان أنه لو كانت إسرائيل قد أفرجت عن القنطار في إطار صفقة تبادل الأسرى مع حزب الله في العام 2004 فإنه »من المعقول جدا أن حزب الله ما كان سيقدم على خطف الجنديين. وهنا وُلدت الخدعة الثانية, وهي أن إسرائيل شنت الحرب (في العام 2006) من أجل تحرير المخطوفين. لا أساس من الصحة لذلك... ففي نهاية الحرب كان واضحاً أن احتمال تحريرهما في عملية عسكرية ليس قائما. وبقي بديل المفاوضات فقط.
من جهته دعا المحلل العسكري والسياسي في معاريف, عوفر شيلح, الإسرائيليين إلى عدم النظر إلى الوراء, فلا جدوى من ذلك, كما أنه لا جدوى من الاستمرار في مهرجان البكاء. وما ينبغي تذكره الآن هو أن مجتمعا قويا ومحباً للحياة لا ينشغل في المفاخرات الفضفاضة ووعود بالثأر. ولا يحاول أن يرد على الإذلال بالإذلال على عدوه, وعلى القسوة بالقسوة . ورأى شيلح أن على المجتمع الإسرائيلي أن يتذكر على أنه يوم آخر في تاريخ الشرق الأوسط, الذي لم يسجل أحد فيه انتصارا ولم يتم كيّ أي نوع من الوعي .