غير بعيد عن رؤية الآخرين للمجتمع العربي ضمن عالم متبدل يعاني بوضوح من الازدواجية والتناقض في سلوكه وعلاقاته مع العالم المصنف ثالثا ورابعا .يتعاون شاهين في الفيلم أيضا مع كاتب سيناريو مبتدئ ناصر عبد الرحمن الذي سينال شهرة واسعة فكتب بعده ( حين ميسرة ) الذي لا يقل إشكالية عن ( هي فوضى) .
يبدو فيلم هي فوضى للوهلة الأولى فيلما كوميدياً لكن من يعرف اسلوب شاهين يدرك أن وراء هذه الكوميديا المسلية ما وراءها .
ظاهريا يبدو موضوع هي فوضى مهما في فكرته العامة وفي بعض التفاصيل السردية , رجل شرطة فاسد وامرأة فاسدة أخلاقيا وبالمقابل معلمة ذكية ووكيل نيابة مستقيم, ربما لو كان المجتمع العربي بمثل هذه الصورة التقابلية لكنا بألف خير , لكن كل يغني على ليلاه .
يوسف شاهين كان يوصف بالمخرج الطليعي , لم يبق من طليعيته إلا أن يختار النماذج الأكثر سوءا ويعيد تركيبها على مزاجه و ينهيها بشكل مرتبك وغير مقنع.
أقول أن يوسف شاهين المشارك في كتابة السيناريو يعيد تركيب الأحداث والشخصيات وفق خياله الخصب , لأن الثغرات الدرامية في الفيلم تبدو أكثر مما يحتمله اسم كبير كاسم يوسف شاهين , إذ ليس من المنطقي أن يرسم شخصية شريرة في بدابة الفيلم , ثم يجعله عاشقا متيما بجارته الحسناء , وليس من المعقول أن نرى شخصية وكيل نيابة مستقيم وفي الوقت ذاته يسعى وراء فتاة طباعها وتصرفاتها على النقيض من سلوكه وأخلاقه , والمضحك المبكي أن تنتهي هذه العلاقة بمشهد كاريكاتوري, ليعود وفجأة أيضا فيحب الفتاة التي طالما رفضها ويتعلق بها, مما يعني أننا أمام حلول ساذجة سبق أن شاهدناها في كثير من الأفلام العربية التقليدية .
يوسف شاهين بدأ بداية طيبة في ( صراع في الوادي ) و ( باب الحديد ) وتابعها في ( الأرض ) و( العصفور ) , ولم نكن ورغم تعثره في المهاجر والمصير , إلا أننا لم نكن نتصور أن ينتهي هذه النهاية المحزنة حياتيا وفنيا .