تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الاختـــلاف الثقافـــــي

ثقافة
الثلاثاء 12-1-2016
عقبة زيدان

الاختلافات بين الثقافات هو الذي يعطي المجال والحافز للقائها ببعضها. تلتقي الثقافات وتتبادل ما بينها من أفكار وعادات وأحلام وأساطير. ولكن - وبحسب كلود ليفي شتراوس - فبسبب الاحتكاكات والتبادلات تتناقص الاختلافات حتى تختفي. كيف تختفي؟ حين تنصهر ببعضها وتضيع خصوصياتها. لذلك (يجب أن تسهر الثقافات التي يرتبط كل منها بأسلوب حياة وبنظام قيم على خصوصيتها. وهذا إجراء سليم).

‏‏‏

اللقاء واجب بين الثقافات، وعلى كل ثقافة أن تتبادل ثقافتها مع ثقافات أخرى، ولكنها يجب أن تصنع كل منها مقاومة ما، وإلا فسرعان ما ستفقد كل شيء خاص بها يمكن مبادلته، وهكذا فإنها ستفقد أي اختلاف وأي شيء يميزها ويدفع الآخرين للقائها ومبادلتها.‏‏‏‏

لا تعيش أمة - أو مجموعة بشرية - بعيداً عن ثقافات غيرها من الأمم. وإذا تواصلت مع غيرها، عليها ألا تفرط في هذا الاتصال، وإلا فإنها لن تحتفظ بثقافتها الخاصة.‏‏‏‏

لم تحافظ الدول الغربية الاستعمارية على خصوصية المجتمعات التي احتلتها، وفرضت على تلك الأمم عادات جديدة وأفكاراً جديدة، بهدف محو أي خصوصية. ولم تعدم الدول الاستعمارية جهداً إلا واستعملته للقضاء على ما يجعل ثقافة الدول المحتلة منصهرة في ثقافتها بشكل كلي. حتى إن الغرب الاستعماري جعل لغته هي اللغة الأم في مناطق سيطرته.‏‏‏‏

‏‏‏

(الاستعمار هو الخطيئة الكبرى للغرب) كما يقول شتراوس. ولكن - وبعد أفول عصر الاستعمار - هل وعى الغرب خطأه وقام بما يجب عليه القيام به بعد أن رأى ما قام به من تدمير لبنى العالم الثالث؟؟‏‏‏‏

إن الولع الاستعماري هو الذي يدفع الغرب إلى تدمير نفسه من خلال حرمان الإنسان الغربي من غطاء واق بسبب عزله عن بقية الأمم. لم تعد هناك حدود للسلطة الاستعمارية، ولم يعد هناك أمل - وهذا ما يتضح - في خروج المواطن الغربي من عزلته عن العالم المحيط. لقد تورط الغرب في معسكرات الإبادة والتلوث. ولم تعد هناك ثقة بالوعود الغربية الهائلة بتخليص العالم من شروره ومن فقره وبؤسه.‏‏‏‏

تحافظ المجتمعات على نفسها لأنها قادرة على نقل مبادئها وقيمها من جيل لآخر. وتصبح هذه المجتمعات مريضة بدءاً من اللحظة التي تشعر فيها بأنها غير قادرة على نقل شيء، ولا تعرف ماذا تنقل، أو تعتمد على الأجيال اللاحقة.‏‏‏‏

المركزية الغربية فرضت عزلة على مجتمعاتها. ولكن الهوامش بدأت تتجرأ على تشكيل المركز ذاته، من خلال إعادة التفكير في طبيعة القوة والسلطة. وجاءت أفكار التغيير من عناصر تعيش داخل المركز الغربي، وبدأت بنقد بنى المعرفة الغربية.‏‏‏‏

هل يمكن أن نسمي كتابات المهاجرين إلى المركز بالأدب العالمي؟‏‏‏‏

أليست نادين غوردايمر وتوني موريسون تمثلان أدباً جديداً في الغرب الكولونيالي، وتشكلان صدمة للغرب؟‏‏‏‏

في (عالم البرجوازي الأخير) لنادين غودايمر، ثمة تعرية لعنف المجتمع العنصري، ثمة استغراق في مقاومة الجحيم الرأسمالي، لإقامة جنة الاشتراكية بدلاً عنه.‏‏‏‏

ما هي الأدوات التي يجب على غوردايمر أن تحمّلها لشخصياتها لمقاومة العنف العنصري الذي صنعه الاستعمار؟‏‏‏‏

ليس هناك سوى الكفاح التحرري من فكرة ثنائية الأسود/ الأبيض، وإيجاد سبل للعيش الكريم خارج عبودية مقررة سلفاً من المركز. نعم، يكون الانعتاق من أيديولوجيا السيد، بداية تغيير حقيقي، ليس للهوامش فقط، بل للمركز المتعالي والمتغطرس.‏‏‏‏

شكلت كتابات المهاجرين صدمة للمركز، وهزة عنيفة للثقافة الإمبريالية، حين وجدت نفسها تواجه أفكاراً تحاول هدم بناها من الداخل. هي سلطة مقابلة ومضادة، سلطة معرفة - قوة (بالمعنى الذي يريده ميشيل فوكو - أي أن القوة تنتج نوعاً من المعرفة وتؤدي إلى تراكم المعلومات والمعارف، واستخدام ذلك من أجل مزيد من ممارسة القوة).‏‏‏‏

نصوص معرفة- قوة لفتت إليها أنظار دوائر الثقافة في المركز، وتربعت على عرش النقد والنقاش في الأكاديميات الكولونيالية. هو تاريخ الكتابة المضادة الهامشية - والتي أصبحت متناً - هو تاريخ وعي للشتات الكولونيالي، تاريخ لشعر جديد ذي هوية متحررة وغير مقموعة.‏‏‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية