تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فواز حسين في أعماله النحتية...اهتمام بحركة الكتلة وهاجس التلخيص

ثقافة
الثلاثاء 12-1-2016
أديب مخزوم

يجمع الفنان التشكيلي فواز حسين في تجربته الفنية بين تقنيات الرسم والنحت والضغط على النحاس، وعندما نقرأ البطاقة الشخصية له، نجد أن الفن لديه يشكل فسحة أو استراحة من عناء عمله كمحام، وهذا لا يعني أنه لا يمتلك قدرة فنية وتقنية،

بل على العكس من ذلك، فهو يرسم بحرية ويشكل لوحاته برؤى خيالية تتفاوت بين الواقعية والسوريالية والرمزية، وبالتالي فهو ينطلق من هاجس تخطي نمطية الشكل الواقعي، للوصول إلى التأليف الفني الحديث والمعاصر في لوحاته ومنحوتاته معاً.‏‏

‏‏

بعد زمني‏‏‏

وهو يقدم في مجموعة أعماله ثمرة وخلاصة تجربة طويلة في الرسم، ويظهر فيها صوغا تلوينيا وتشكيليا خاصا، بحيث تصبح الرؤى الخيالية والأسطورية، أساساً في صياغة لوحاته، وإبراز قيمتها التشكيلية والفنية، متجهاً لإظهار أجواء غرائبية غير مألوفة في معارض الفنانين، كما تظهر فيها عناصر تعبيرية فنية، تستفيد من معطيات اللوحة التشكيلية الحديثة والمعاصرة.‏‏‏

وهو يحول في أحيان كثيرة القطعة النحتية إلى شكل إنساني أو حيواني، وقد يجعلها في أحيان أخرى متجاورة «امرأة وطير وحيوان» وبهذا تجتمع العناصر التشكيلية، ويبرز التلخيص والتبسيط، ضمن رؤية فنية تقترب من التعبيرية - الرمزية. وفي خطواته هذه يعتمد الرشاقة والحيوية، في تنفيذ القطعة التي تنتمي إلى فن عريق «هو فن النحت» بعد فترة الانقطاع الطويل الذي شهده في شرقنا العربي، بسبب عقدة الصنم والتحريم، للوصول إلى تداعيات ما ترسخ في الوجدان من جماليات فنية قديمة وحديثة معاً، ولهذا فهو يمنح المنحوتة بعداً زمنياً، بحيث تبدو كما لو أنها قادمة من عمق الأزمنة، وبذلك يجمع فيها بين معطيات الفنون القديمة والحديثة.‏‏‏

وهذا يعني أن النحت الذي يمارسه ليس صناعة مهنية، وإنما هو ميدان فني يتاح فيه لثقافته بالبروز والظهور، وهو يجهد لإعطاء المنحوتة خصوصية مشحونة بأحاسيسه العميقة، وضمن نزعة جمالية مفتوحة، على معطيات وتوجهات تراثية، ولهذا يمكن القول:إنه يعتمد في تشكيلاته الفراغية، الحركة والحيوية، وضمن نزعة إحيائية اختزالية محلية وشرقية.‏‏‏

‏‏

وثمة نقاط التقاء تجمع بين لوحاته ومنحوتاته، ولا سيما في حركة الاشخاص المختزلة الى أقصى حد، حتى أن الشخص يغيب، في أحيان كثيرة، وتبقى حركته الدالة عليه.‏‏‏

هكذا يمكننا الانتباه عند تأمل أعمال فواز حسين النحتية، إلى حيوية الكتلة، حيث تعكس أعماله بعض إيقاعات الحداثة المفقودة في الأعمال المتشابهة والمستهلكة والمطروحة في العديد من المعارض الجماعية والخاصة، وبالتالي فأعماله تحمل ثقافة وجماليات ونكهة الفنون المعاصرة «التصويرية والنحتية» وفي ذات الوقت تستعيد عراقة وجماليات الفنون المتوارثة منذ قرون في الشرق العربي.‏‏‏

واستعادته لجماليات الفنون القديمة في مجال التشكيل النحتي الحديث، يعطي الكتلة مزيداً من الاصالة والإتقان والحيوية، حيث يأخذ عمله شكله الجمالي المنساب في الفراغ، ولهذا فمنحوتاته تبدو مكملة لأعماله في مجالي الرسم والضغط، حيث تكتسب أهميتها من عفوية تشكيلاتها وحداثة مصادرها الحضارية الحية والمتجددة.‏‏‏

مصدر الحركة والتداعيات‏‏‏

هكذا تطل أعماله في تنقلاته بين التقنيات والمواضيع والصياغات التشكيلية كحالة وجدانية تعكس الصدى العفوي لتأثيرات الفنون التشكيلية القديمة والحديثة، كما يقدم عمله النحتي، من منطلق البحث التشكيلي، الذي يتقاطع مع طريقة تشكيل عمله النحاسي المضغوط.‏‏‏

ويمكننا أن نكتشف مدى انفتاح أعماله النحتية،على التشكيل البدائي، الذي يوحي أيضاً بالحداثة وما بعد الحداثة. وهو يدمج في لوحاته ومنحوتاته بين الأشكال الانسانية والحيوانية وغيرها بطريقة خيالية وغرائبية، كما يقدم تشكيلاً عفوياً أقل تمثيلاً للصورة البصرية المرئية في الواقع أو في الأبعاد الثلاثة.‏‏‏

ولقد حرص على ربط أعماله بجمالية الصياغة العفوية، لأنها تشكل منطلق الرؤى والتداعيات، ومصدر الحركة التي تتوالد من إيقاعاتها مؤشرات الإحساس، بركائز التشكيلات الحديثة والمعاصرة. ومن أجل ذلك استعان بتراث البساطة السائد في الفنون القديمة والمتواصلة في الفنون الحديثة دون توقف أو انقطاع. وهذا الانجذاب نحو العفوية والتبسيط في المظهرين التكويني والتلويني يشكل عودة إلى النحت البدائي، الذي هو برأي كبار النقاد والباحثين، مصدر كل نحت ورسم وتشكيل حديث.‏‏‏

هكذا يعمل في بحثه واختباراته وتأملاته الفنية، على تحريك أعماله مع الزمن المعاصر والثقافة الحية. وبمعنى آخر يركز في تشكيل عمله على الإحساس التلقائي للبناء والتوازن والحركة والحيوية، المستمدة أصلاً من حركة المشاعر الإنسانية ومن تعميق علاقته بالفنون البدائية والحديثة.‏‏‏

وتبرز بعض مقاطع منحوتاته بطريقة تجريدية، أي لايبحث فيها عن صيغة شكلية، وهو في ذلك يبتعد عن أي نظام أو انتظام أو قولبة هندسية. ويبقى مسترسلاً بإضفاء عفوية فراغية، لم يخترق ايقاعها، إلا نعومة ملامس بعض السطوح المنفذة بوعي وعقلانية، وما ينتج عن بريقها من تأثيرات بصرية، تترك أثرها في عين المشاهد، فتخلق حوارية بين السطوح بتنوع خاماتها وسطوحها.‏‏‏

وعلى هذا تتحول السطوح المتفاوتة الحساسيات والدرجات والنعومة، إلى غنائية وشاعرية بصرية، من دون أن يبدي لنا، رغبة في صياغة هندسية أو تقليدية بعيدة عن تقلبات وتشابكات وتداخلات فنون العصر وثقافتها الجديدة.‏‏‏

facebook.com/adib.makhzoum‏‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية